16 ديسمبر 2025

تسجيل

كارت وردي – منيرة آل ثاني- أول كتاب أدبي عربي عن كرة القدم

22 يونيو 2012

كارت وردي – منيرة آل ثاني- أول كتاب أدبي عربي عن كرة القدم.. يصدر عن كاتبة قطرية أفضل ما يتيحه الله سبحانه لأستاذ هو أن يعيش ليرى أحد طلابه يتألق فيشعر الأستاذ بأنه هو الذي ينجح من خلال نجاح طالبه وأنه هو صاحب بعض الفضل في تميز ابن من أبنائه أو بنت من بناته وهو شعور فيه من النرجسية جزء مقبول ومشروع، فالأستاذ حتى وإن أصابه يأس وبدأ يحس بوطأة السنين يتحول إلى مشارك في تفوق طلابه يفرح لفرحهم وتسعده منهم كلمة عرفان صادقة يشحن بها "بطارية" العمر، وأنا أدركت مروءة منيرة منذ زمن حين فجعت بفقدان إحدى معلماتها في المجال الصحفي الميداني طيبة الذكر ثريا نافع رحمها الله ففكرت في رصد جائزة تحمل اسمها لأحسن إنتاج صحفي. هذا هو شعوري حين أهدتني طالبتي منيرة خالد آل ثاني كتابها الجديد بعنوان "كارت وردي" ومنيرة من المعدن الأصيل لأنها لا تقطع صلتها بمن درسوها في كل مراحل تعليمها، وأنا لا أبالغ إذا وصفت كتابها هذا بأنه أول كتاب عربي أدبي عن عالم كرة القدم، بالطبع صدرت كتب كثيرة عن هذه الرياضة الشعبية الجماهيرية ولكنها لم تكن أدبية بل لم تطمح إلى بلوغ مستوى الأدب، كانت مؤلفات رياضية أو تقنية أو احترافية أو تأهيلية خاطبت أصنافاً من الجمهور "الكروي" بلغة صحفية أو ملاعبية لكنها لا ترقى لدرجة الأدب، فللأدب نواميس وفنون ويشترط موهبة لم تتوفر في أغلب من كتبوا عن الرياضة والرياضيين، ولم أعرف أدباً راقياً في كرة القدم سوى كتب فرنسية كتبها صديقي "باسكال يونيفاس" وهو مولع بكرة القدم لكنه أستاذ في العلوم السياسية ورئيس المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية بباريس ومعلق مثقف على أحداث العالم والقضايا الاستراتيجية وهو أيضا أديب وذو هواية وموهبة في رياضة كرة القدم. وحين فتحت الكتاب الأنيق الصادر عن منشورات مجلة "ستاد الدوحة" كان أول ما استرعى انتباهي وإعجابي هو العنوان "كارت وردي" ترفعه الكاتبة في وجه بعض مظاهر العنف والخطأ في الملاعب كما يرفع الحكم كارت أحمر أو كارت أصفر، فاللون الوردي الذي اختارته منيرة للكارت هو علامة سلام وتعامل حضاري وأنثوي رقيق مع من يستحقون النقد ولفت النظر، والأمر الثاني الذي جلب اهتمامي هو الإخراج الفني الأنيق للكتاب فهو في حد ذاته عمل فني بطغيان اللون الوردي وجمال الصورة وإتقان التصفيف. إنني لا أعجب من صدور أول كتاب أدبي عن رياضة كرة القدم في دولة قطر وبقلم كاتبة قطرية متميزة وغزيرة الإبداعات لأن قطر هي التي ستنظم مباريات كأس العالم لسنة 2022 وهي التي تقوم بجهود عملاقة ومشكورة لتأمين كرة القدم من مخاطر الانحراف للفوضى والتعصب، وقد خصصت الكاتبة لهذا الحدث – الحلم، كما نعتته مقالات أهمها وقفة مع ملف 2022 (ص 84) توضح فيه منيرة أبرز شروط نجاح هذا الاستحقاق الكبير ومهام كل من عينوا "سفراء" لخدمة هذا الهدف السامي. فمنيرة آل ثاني تؤكد على صفحات كتابها أنها شاعرة بمسؤولية دولتها ومقدرة لمساعي أميرها في سبيل أن تنجو كرة القدم من نزعات التناحر والتعصب لتعود هذه الرياضة الراقية، كما كانت نقطة التقاء الأخلاق العالية والتسابق النزيه على الفوز واحترام المنافس والقبول بالنتيجة وبروح رياضية كما كان يقال، ونرى اليوم منيرة تثور بقلمها على العقليات المريضة التي انحرفت بكرة القدم إلى "حرب داحس والغبراء". قدم للكتاب رئيس تحرير مجلة ستاد الدوحة السيد ماجد الخليفي، فقال إنه يقدر كيف استطاعت منيرة أن تكسر قيود الخوف من دخول ميدان كان حكراً على الإعلام الذكوري غير أنها استطاعت أن تشق طريقها بثقة وأن تجد لها فضاء واسعاً من الإبداع والتميز. كما أن رئيس الاتحاد القطري لكرة القدم الشيخ حمد بن خليفة بن أحمد آل ثاني أكد هذه المعاني، فقد قدم للكتاب بكلمات لطيفة تقبل فيها نقد "كارت وردي" بصدر رحب، كما قال لأن النقد يصحح الأخطاء ويسلط الأضواء على بعض الهنات التي لا يتفطن لها المسؤول الكروي. ومنيرة لا تخفي أنها في البداية ترددت عن اقتحام هذا المجال لكنها تسلحت بثقتها في نفسها وإيمانها بأنه لا حدود مسيجة للمرأة المثقفة ولا يمكن حبسها في مجالات معينة أنثوية، بل إنها مدعوة لتتبوأ مكانتها كفاعلة إعلامية وتوجيهية لهذه الرياضة التي تمس في الواقع أغلب مواطني قطر والعالم رجالاً كانوا أو نساء، وهي تنجح في تصحيح مفاهيم خاطئة متوارثة مثل الاحتراف ومعانيه ومثل تسييس الرياضة ومثل رفع النوادي إعلانياً في عالم التجارة ومثل شراء اللاعبين وتداولهم كالأسهم في البورصة، ومثل دور الجمهور المشجع للفريق والمتنقل بين المدن في العالم، ومثل المافيات التي تمارس في الظلام تأثيراتها السيئة على الرياضة والرياضيين، ومثل حقيقة الفيفا ومن وراءها من رجال التأثير والإعلام والمال والأعمال. قالت منيرة عن كتابها بكل تواضع: "كارت وردي يختلف عن الكروت الصفراء والحمراء، بل هو نظرة بتطلع أنثوي قطري خاض مجالاً يرونه حكراً على الرجل في زمن أمير الحرية والقلوب أطال الله عمره، فشكراً على قبولكم وجودي وسط الحروف الرياضية، وبقلب هجوم الكرة القطرية والدفاع عن الروح الرياضية". وأنا أضيف إلى كلامها هذا بعض التحيات الخالصة من أستاذها الذي تشرف بتخريج أربعة أجيال من الإعلاميين مع نخبة من الزملاء الكرام، تحية من القلب لهذه المبادرة الجريئة التي لا تحمل رمزاً رياضياً أو أدبياً أو إعلامياً فحسب، بل إن إصدار هذا الكتاب يعتبر بحق إنجازاً اجتماعياً وسياسياً كبيراً تعتز به دولة قطر، وهي الدولة الخليجية المحافظة لأن قيادة قطر الرائدة والسباقة لتحرير الكفاءات النسائية هي التي تستحق مع الكاتبة وسام شرف الريادة. فهنيئاً لقطر بهذا القلب الأنثوي المشاكس ولكن في أدب، والمصرح بالحق ولكن باحترام، والداخل إلى ملعب كرة القدم من بابه الواسع بلا "تسلل" ومنيرة ستظل لاعبة متميزة في فريق الأخلاق الرياضية العالية تلبس فانيلة محترمة وردية تلفها عبايتها رمز الأصالة وهي ستسجل أهدافها في مرمى أعداء الروح الرياضية، وإذا قدر لها أن تكون حكم المباراة، فهي سترفع في وجوه قرائها ومحبيها "كارت وردي" بكل ود، وبكل ابتسامة ثقة وأمل في مستقبل الرياضة في وطنها وفي مستقبل وطنها بأسره بقيادة حكيمة من أفضل رجاله ونسائه. وإني أنصح بمطالعة هذا الكتاب الذي يجمع بين الإمتاع والمؤانسة وبين الخفة والعمق وبين الجد والهزل وبين الواقع وأفق المستقبل، وسأعمل شخصياً على إدراج هذا الكتاب في المعرض الدولي للكتاب بكل من باريس وفرنكفورت، كما أرجو أن يحتل مكانه في معرض الدوحة والقاهرة لأنه بكل بساطة طريف ونادر.. ويحمل رسالة ومجموعة قيم رياضية ووطنية عليا.