13 سبتمبر 2025
تسجيلأحسب أن التجربة الإنسانية قد نضجت بما فيه الكفاية لتمييز السمين من الغث، والحقيقة من الزيف، والخير من الشر. أتحدث هنا عن الحياة الكريمة وأفضل النظم لتحقيقها. أشرت في مقال سابق إلى أن كثيرا من البشر يظنون أن ما تسمى الديمقراطية هي أفضل نظام يحقق الحياة الكريمة، وضربت مثالا، بالولايات المتحدة، على أنها ليست كذلك وأن نظاما مثل النظام القبلي العرفي أو ما أسميه الانتخاب الطبيعي في السياسة أثبت نجاحا حقيقيا في واقع الأمر، وضربت مثالا على ذلك بدولة قطر، وأشير هنا إلى أن هذا النموذج لا ينطبق على كل دول الخليج كما كان الحال من قبل، وسيأتي شرح ذلك لاحقا. ولكن في هذه السطور أواصل مع تفنيد ما تسمى الديمقراطية. ولفهم ذلك لابد من العودة قليلا للوراء لسبر غور الخلفيات التي شكلتها خلال العصور الحديثة، والتي ما زالت تحكم منهجها للآن. النظام الدولي الذي يسير وفقه العالم الآن يعود تأسيسه بدرجة كبيرة إلى اتفاقية تاريخية تسمى «سلام ويستفاليا» لعام 1648. تلك الاتفاقية، اعتبرت نهاية للحروب الدينية في أوروبا، ورغم أنها لم تنه تلك الحروب بالكلية فقد كان من أهم نتائجها تأسيس ما يسمى بالدولة الحديثة التي قسمت مناطق النفوذ بين القوى الأوروبية وقتها وحددتها بحدود ثابتة بحيث لا تتجاوز أي دولة تلك الحدود وعلى أن يكون لها «احتكار العنف» أو استخدام القوة داخل حدودها فقط، أما خارجها فيكون اعتداء على دولة أخرى. من هنا تم اعتبار القبيلة والعشيرة والطائقة كيانات غير ممثلة في ذلك النظام العالمي، بل وتم التعامل معه في الأدبيات السياسية بمنطق الاحتقار والتقزيم. الأخطر أن الاتفاقية كانت إيذانا بفتح الباب على مصراعيه أمام تلك القوى لنهب ثروات المجتمعات الأخرى التي لم يكن ينطبق عليها مصطلح الدولة وفق سلام ويستفاليا، أو هكذا اعتبرها المستعمرون الجدد. والذي يجب الانتباه إليه هنا أن اتفاقية ويستفاليا تلك جاءت لإنهاء صراع بين الأوروبيين تفجر بالدرجة الأهم بعيد سقوط دولة الإسلام في الأندلس أواخر القرن الخامس عشر (1492). ومع رغبة الأوروبيين في تقزيم دور الإسلام والمسلمين في الحضارة، تمت الإشارة إلى مجتمعاتهم بالأساس على أنها مجتمعات قبلية غير متحضرة، مع أن الدولة الإسلامية كانت لقرون طويلة هي عين الحضارة والرقي التي نهل منها الأوروبيون وبنوا نهضتهم من نبعها. وكان ذلك أيضا مقدمة لتبرير نهب كل المجتمعات الأقل تقدما ولو نسبيا علاوة على المجتمعات الجديدة، ومنها الأمريكتان اللتان تؤكد مصادر محايدة عدة أن الإسلام وصلها قبل كولومبوس وفترة ما سمي بالكشوف الجغرافية للعالم الجديد. هنا سيكتشف المتابع أن فكرة الديمقراطية في أساسها كانت من بين الوسائل المعنوية التي استخدمها ذلك الاستعمار، لترتيب العلاقات بين مكوناته وتنظيم التهامهم لبقية مناطق العالم. كما يجب الانتباه هنا إلى أن التضليل أو التشويه الفكري كان أداة أساسية من أدوات السيطرة على العالم، وذلك بالسيطرة على مراكز التعليم والبحث والتنظير، حيث أخذت الجامعات ومراكز البحث من وقتها وللآن مكان الكنيسة والمعبد، وباتت هي مصادر إنتاج الفكر ومعامل تفريخه، وفق ما يحب ويرضى أسياد ذلك النظام.، وذلك بعدما تم وضع الدين جانبا، فالراجح عندي أن «سلام ويستفاليا لم تنه الحروب الدينية بقدر ما أنهت الدين نفسه. وللحديث صلة...