10 سبتمبر 2025

تسجيل

فرج قصة الحب والعبودية للروائي محمد علي عبدالله (3)

22 مايو 2019

على ظهر سفينة الحرية، كما أتصور، وفيما تعاني عويشة من مرض يكاد يسلمها إلى الموت، فإن اعتناء ورعاية فرج لها، وحنوه عليها، سيجعل القراء في حالة انتظار أبدي لمعرفة: ماذا سيحدث بعد ذلك؟ وهذا ما لن يحدث أبدا، فعند هذا الحد ستنتهي الرواية. ستنتهي دون أن تخبرنا: ما الذي حدث لعويشة؟ هل توفيت؟ هل عاشت سعيدة مع زوجها فرج؟ أم ما الذي جرى لهما؟ اللهم، إلا إذا كان هناك جزء ثان للرواية. فإن الخبر اليقين، سيوردنا حينها من بطن الجزء الثاني. ولكم كان بودي تسمية هذا الجزء من الرواية، بالحرية، غير إني أراها حرية ناقصة وبمعنى أدق، عقيمة وأنانية، فهي بلا عويشة، واسم البطلة بالطبع رمزي للغاية، فهي تعني بحسب ما فهمت من سياق الرواية: الصدق والحياة الجميلة والحب الحقيقي. لكن لماذا وبحسب واقع الرواية، رحل الفرج دون العيش؟ ربما لأن الكاتب كتب بروح: من أكون؟ وليس ماذا أريد أكون؟ هذا ما يقوله ولسون، السابق ذكره، وليس ما أدعيه أنا. ولندع، الإجابة عن هذا السؤال جانبا، حيث تبقى الكثير من الأسئلة، بلا أجوبة. كما لنبتعد قليلا عن ولسون، الذي أكثرنا من ذكره، ولنستشهد بالكاتب الإنجليزي الشهير، شكسبير، الذي يقول: (إن الفن يحمل مرآه تعكس الطبيعة). وهذا ما نتفق معه تمام الاتفاق، ففيما الطبيعة البشرية من حولنا متغيرة وموحشة في كثير من نواحيها، حيث تغص شتى المجتمعات الإنسانية بالعنصرية البغيضة، فإن الفن الذي نرى فيه وجوهنا ودواخلنا على حقيقتها، هو الفن الحقيقي، وهذا ما صنعه الكاتب في روايته، فقد تمكن من كشف فكرة العنصرية التي تسكن الكثيرين منا بقصد أو دون قصد، والتي ترفض كل ما هو مخالف لجذورها، باعتبارها ولإيمانها بأنها العرق البشري الأكثر نقاء وطهارة، دون أن تخبرنا من أين جاء لها هذا الاعتبار أو كيف ترسخ لها هذا الإيمان؟ بل لا أستشيط كثيرا إذا ما قلت: أن الكاتب نجح في جعل القارئ يقف في مواجهة مع نفسه، وقاده إلى مراجعة موروثاته العنصرية البغيضة، وبالتالي إلى تغيير أفكاره تجاه المختلفين عنه في الجذور، سواء كانوا من ذوي البشرة السوداء أم غيرهم. وهذا ما يفند المقولة التي سمع معظمنا بها، وهي: ما من رواية غيرت مجرى الأحداث في هذا العالم. فرواية كهذه الرواية، ذات بعد ثقافي واجتماعي، استطاعت أن تبدل طريقتنا في التفكير، وهذا في حد ذاته نجاح باهر للكاتب. لأنه تمكن من بذر البذور لإحداث فروق اجتماعية، قد يجنيها جيل يأتي بعد خمسون عاما من الآن، وربما أكثر أو أقل، لا تهم المدة، بقدر ما يهمنا حدوث التغير الإيجابي في المجتمع. وعموما، ما ذكرته آنفا، يذكرني بنظرة بعض النقاد إلى الكاتب على إنه مصلح اجتماعي، وهو قول لا اتفق ولا اختلف معه، فهو يقدر بحسب قدره. إلا أن الكاتب هنا قام بدور المصلح الاجتماعي، دون قصد منه، وهو دور محمود في هذا المقام. وختاما، ورغم تحفظي على بعض الملاحظات التي رافقت الرواية الأولى للكاتب، فلا يفوتني على التأكيد على أن الرواية العظيمة هي التي تمنح القارئ الإحساس بأنه قد عاش أحداثها، وأنه بعد أن أغلق الكتاب كان وكأنه قد عاد من مكان بعيد، وهذا ما صنعته رواية فرج، قصة الحب والعبودية. وهذا ما يجعلني أعتقد أنني انتظر الأفضل في مستقبل قريب من الكاتب الروائي محمد علي عبدالله. كما يجعلني أدلي برأي للكاتب ففي طبعة ثانية للرواية ذاتها، ننتظر منه مراجعة كتابة نهايتها، والتي لا شك لدي أنها ستنعكس بشكل إيجابي على غلافها، ناهيك عن إجراء بعض التعديلات اللازمة في بقيتها. " روائية قطرية "