10 سبتمبر 2025
تسجيلهنا، يظن القارئ نفسه، أنه قد وصل إلى الجزء الذي يدور حول الحب، غير انه يتفاجأ بغياب اللغة الرومانسية المتوقعة، ناهيك عن شح المعلومات التي تصلنا عن عويشة ذاتها، التي يفترض أنها بطلة الرواية، وعن نوع وشكل العنصرية التي تم ممارستها ضدها من قبل المجتمع الظالم، لذا فهي البطلة الحاضرة - الغائبة. وحقا، لا يفترض بنا مثلا، أن نقرأ عنها الكثير كما هو الحال مع البطل الرئيسي، فرج، إلا أننا وعلى كل حال كان بودنا معرفة ولو القليل عنها. هذا من ناحية الجزء المتعلق بالحب في الرواية، والذي ينقلنا فيه الكاتب نقلة مأساوية تنتهي بفراق الحبيبين، ثم لا يكتفي بذلك، فهو أيضا يحزننا بتزويج عويشة قسرا، برجل قاس، وبنفي فرج. وعند هذا الحد، يشتد شغف القارئ وتولعه بمعرفة كيف سيقوم الكاتب بفك العقدة العويصة التي أدخلنا إياها مع أبطاله وشخوص رواياته. وهكذا، نستمتع كقراء إلى درجة ما، بمشاهدة فرج يعمد بشتى السبل إلى الحصول على حريته، ثم حرية حبيبته عويشة، الذي نصطدم بتحولها إلى قاتلة! وتبرأ أهلها منها، وقبل أن نلتقط أنفاسنا ليمتص عقلنا الصدمات السابقة، فإننا نجد عويشة تمرض وتموت! وذلك على النقيض من البشارة التي كان شيخ أعمى قد أطلقها في وجه فرج ذات حين. فالكاتب هنا ألقى في وجوهنا وعلى عجالة، ثلاث كرات من الغضب المتفجر، فلا نكاد نفرغ من تلقي الأولى، حتى تتبعها الثانية والثالثة بشكل متتال. ولعل، الصدمة الأكثر من محدثة لفرق غير طبيعي، بالنسبة لي، هو أن فرج بعد أن دفن حبيبته وبكاها، ذهب ليستمتع بالأكل، ثم سافر باتجاه شرق، حاملا فراشا جديدا ومؤونة طعام كافية، مكتفيا بحصوله على حريته، دون أن ترافقه فيها حياة حقيقية. فهل استسلم الكاتب لقوانين المجتمع الظالمة، واقر بها، أم أنها بحسب وجهة نظره النهاية الأكثر ملاءمة مع الواقع! ثم لماذا يجب علينا أن نبحث عن نهاية أخرى؟ حقيقة، اعتقد أن النهاية المفتوحة هي الأكثر تماشيا وعقلانية مع أحداث الرواية، فضلا عن كونها الأكثر عدالة، ففيما عانى فرج من العبودية، فإن عويشة قاست مرارتها، وفيما كان فرج بحاجة للعيش مع حب صادق حقيقي، يشعره بقيمته وكرامته، فإن عويشة كانت في أمس الحاجة إلى فك كربتها، ومساندة حبيبها لها في شدتها، لذا كان التهاء فرج بحل مشكلة امرأتين ظهرتا فجأة في الربع الأخير من الرواية، هو ما عجل بوفاة عويشة، التي عانت الاهمال مع اشتداد المرض عليها. الشأن الذي لا يتفق أبدا مع مقدار الحب الذي كان يسكن قلب فرج لعويشة. وأعاود طرح السؤال، وان بطريقة أخرى: ما هي النهاية المتوقعة لهذه الرواية؟ صدقا، لا أتوقع النهاية الفنتازية، أو السعيدة، ليس لأنها ستعمل على اضعاف الرواية، كما قد يظن بعضهم، بل انني أعتقد أنه على العكس من ذلك تماما، أن نهاية سعيدة لمثل هكذا رواية، ستعمل على إنجاحها وزيادة رصيدها من القراء، لأن الكل بحاجة لمنحة الأمل ونبرة التفاؤل في الحياة. ولكن لأني أعتقد أن شخصية عويشة، شبه الغامضة، بحسب ما رسمها الكاتب، ستقبل أن تستمر في الحياة، بعد كم الاهمال غير المتعمد الذي نالته وعلى مدى سنوات طوال، ما دمت ستكون مع فرج، فلا أراها قادرة على التخلي عنه، فهو من أحبها بصدق، وكان يبكي هواها طوال الرواية، ناهيك عن سعيه في الربع الأخير منها، وبشكل غير حثيث على انقاذها من الموت المحتم. وانطلاقا من هذه النقطة، فإن النهاية المشوقة، هي النهاية المفتوحة. وذلك، بان يرتبط الحبيبان برباط الزوجية، ويرحلا معا على متن السفينة التي طالما تغزل بها فرج باعتبارها سبيلا للحرية، لتكون وسيلة لحرية كلا الاثنين. وهذا في اعتقادي ما كانا يستحقانه.