19 سبتمبر 2025
تسجيلخلافات بين الناس قائمة لا حلَّ لها، خلافات في البيوت والأسر، وبين الجيران، وبين الأقارب. تتوالى الخلافات وتتمادى وتتوسع ولا علاج لها، بل نعمل على إثارتها أكثر وأكثر لتصل إلى حد القطيعة والعقوق ومصائب أكبر مما نتخيل. أَمَا آن الوقت لإنهاء الخلافات بيننا جميعًا؟! هيا ارفعوا شعارا في رمضانكم هذا مسماه "محطة إنهاء الخلافات". فرمضان شهر الرحمة والتسامح والمودة والود، وكل عمل فيه خير وبركة، هيا اجعلوا شهر رمضان بدايةَ صفحةٍ بيضاء خالية من أي كدر يشوبها، وأعلنوا التسامح بينكم. وفي ذلك استغلال فرصة شهر رمضان وما فيه من تنزُّل للرحمات على العباد وصلة للأرحام والزيارات. ولما فيه من تهذيب للخلافات وتجديد للقلوب وتنقيتها من الفتن والوساوس. فإن الخلافات بين الناس أضرارها لا تُحمَد ولا تصلح، فربما كانت الخلافات بين ابن ووالديه فأدت إلى عقوق الوالدين، وهو أشد ذنبًا عند الله، وربما كانت بين الأقارب فأدت إلى قطع الرحم وما فيه من إثم مبين، فيتهاجر الإخوان والأعمام والأخوال، وربما مكثوا سنواتٍ عديدةً على حال لا تُرضي الله عز وجل ولا ترضيهم وهم يؤمنون بالله تعالى، ويعلمون عظيم حق الرحم عليهم، وفي ذلك نبه رسول الله فقَال- صلى الله عليه وسلم-: «الرَّحِمُ مُعَلَّقَةٌ بِالْعَرْشِ، تَقُولُ: مَنْ وَصَلَنِي وَصَلَهُ اللَّهُ، وَمَنْ قَطَعَنِي قَطَعَهُ اللَّهُ». ولتعلموا أيضًا إخواني الكرام أن في الهجر والخلافات نهي جاء به رسولنا الكريم حيث قال: «لَا يَحِلُّ لِرَجُلٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلَاثِ لَيَالٍ، يَلْتَقِيَانِ فَيُعْرِضُ هَذَا وَيُعْرِضُ هَذَا، وَخَيْرُهُمَا الَّذِي يَبْدَأُ بِالسَّلاَمِ». فقد حدد لنا الإسلام المدة التي يجب ألا نتجاوزها في الهجر وهي ثلاث ليال، فمال بالك بمن قطع رَحِمه من سنواتٍ طوال، ربما قد نسي ملامح وجه أقاربه، وجَهِل أحوالَهم، وربما توفي أحد رحمه وهو لا يعلم بذلك. احذروا الخلافات فهي نار حارقة تأكل الحسنات وتشعل البغيضة والضغينة، هيا صَفُّوا نفوسكم، واستعينوا بالله وشهره المبارك، واسعَوْا في التسامح وفضِّ الخلافات، واجعلوا رمضانكم محطةً لنهاية الخلافات، ودعوةً لانطلاق قطار الود والرحمة والتسامح. وكما أمرنا الله تعالى فقال: وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ، فلنجعل هذه الآية الكريمة شعارنا ليس في رمضان فحسب، بل شعارنا دائمًا وأبدًا. ومَن ليس بخلاف مع أحد، فيسعى هو بنفسه في الصلح بين المتخاصمين سواء كانوا أزواجًا أو أقارب أو أصحابًا أو جيرانًا، واعلموا أن الصلح بين المتخاصمين تجارة رابحة وثواب عظيم وقربة من العبد إلى ربه. عَنْ أَبِي إِدْرِيسَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا الدَّرْدَاءِ يَحْلِفُ بِاللَّهِ "مَا عَمِلَ آدَمِيٌّ عَمَلًا أَحَبَّ إِلَى اللَّهِ مِنْ مَشْيٍ إِلَى صَلَاةٍ، وَمِنْ إِصْلَاحِ ذَاتِ الْبَيْنِ وَمِنْ خُلُقٍ حَسَنٍ". وقوله -صلى الله عليه وسلم- لأبي أيوب رضي الله عنه: «أَلَا أَدُلُّكَ عَلَى تِجَارَةٍ؟ قَالَ: بَلَى، قَالَ: تَسْعَى فِي صُلْحٍ بَيْنَ النَّاسِ إِذَا تَفَاسَدُوا وَتُقَارِبُ بَيْنَهُمْ إِذَا تَبَاعَدُوا». فالقيام بالصلح بين الناس من فروض الكفاية، التي أمر الله بها وحث عليها بصورة عامة، والله يغفر لمن يقوم بالصلح، فمِن أخلاق الإسلام، وصنائع المعروف: الصلحُ بين الناس إذا تقاطعوا، والصلح بين الناس إذا تهاجروا، وقطع أسباب الضغائن والشحناء، وقطع أسباب الفتن والبغضاء، فإنها من أعظم الأمور المقربة إلى الله جل وعلا، وذلك كما قال ربنا: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ واعلموا إخواني وأخواتي أن فسادَ ذات البين تحلق الدين؛ تقضي عليه وتُذهِب أجره وثوابه؛ لأن النزاع والعناد قد يؤديان إلى الفجور والعدوان، والكذب والافتراء، والغدر وإفشاء الأسرار، وتلك علامات من علامات النفاق. وإن كان إنهاء الخلافات وتصفية القلوب والصلح بين المتخاصمين في شهر رمضان، فأبشروا بمضاعفة الأجر وعِظَم الثواب من الله عز وجل، بل وما فيه من بركة في العمل إن شاء الله. ولْتعلموا إخواني أن هذا العمل الصالح لا يأتي إلا من تصفية القلوب وإخلاص العمل لله وحده والتعلق بالله والآخرة وترك كل متع الدنيا وما فيها ابتغاءَ وجهِ الله تعالى. فكثيرًا ما نقابل إعراض الناس عن التصالح إذا أصلح بينهما أحد، وظلوا متمسكين بخصامهم وعنادهم وتشددوا وأخذوا يعددون في أسباب الخلاف والمخطئ والخاطئ وربما طوروه وفتحوا على إثره مشاكل تترى. فأسرِعوا وصَفُّوا قلوبكم لله وأصلحوا نفوسكم وأصلحوا مَن حولكم ولكم الأجر والفضل من الله رب العالمين.