19 سبتمبر 2025

تسجيل

أمل المستقبل: طريق الحرير الجديدة

22 مايو 2017

أحداث دولية مهمة أسعدتني شخصيا هذا الأسبوع لأنها تؤكد لي أنني لم أخطئ الاختيار منذ ثلاثة عقود حين انخرطت في مشروع تغيير منكر النظام العالمي الأطلسي الجائر بنظام دولي عادل يؤسس على التعاون وتشريك الأمم جميعا في التنمية وإقرار السلام الدائم القائم على ربط البلدان والقارات بشبكات السكك الحديدية والجسور والأنفاق وتيسير انتقال البشر والبضائع والأفكار برا وبحرا وجوا. الغريب في تاريخنا التونسي القريب أن صديقي محمد مزالي حين تولى رئاسة الحكومة سنة 1980 عمل في هذا الاتجاه السليم والتزمنا معه هذا النهج القويم فأسس التعليم على قاعدة التعريب ثم فتح باب التعاون جنوب جنوب فعقدنا اتفاقيات مع الصين وتركيا وأنشأنا مصارف وشركات مع دول الخليج وعززنا التبادل والتكامل بين تونس والجزائر والمغرب وهو خيار سياسي وحضاري يتناقض مع نمط الرئيس بورقيبة القائم فقط وحصريا على الارتباط بفرنسا كعقيدة موالية لا كمصلحة وطنية ثم نالنا ظلم واضطهاد المستفيدين من إلحاق تونس بفرنسا فتحملنا صابرين ملاحقات إنتربول و15 سنة منافي وشتات عيالنا ومصادرة بيوتنا. هذا الخيار الحضاري الذي انخرطنا فيه يستلهم أصوله من طريق الحرير الذي رعته الصين منذ قرون وشكل حزاما من التبادل الاقتصادي والتجاري والثقافي بين الأمم. هذه الأحداث الجديدة التي تبعث الأمل في نفسي هي مشاركة الصديقة الفاضلة السيدة (هلجا لاروش) مؤسسة ورئيسة المعهد العالمي (شيلر) في لقاء (بيجين) الأسبوع الماضي بدعوة من الرئيس الصيني (شي جين بينج) حول تفعيل طريق الحرير بمشاركة عديد رجال الدولة من مختلف القارات لتدشين عصر جديد لا تحكمه لوبيات المال والحرب الأطلسية المتنفذة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية في مفاصل الاقتصاد العالمي. شخصيا عرفت السيدة (لاروش) منذ مطلع الثمانينيات حين كنت ماسكا ببعض خيوط السلطة في وطني وناضلت صلب معهد (شيلر) وهو مركز عالمي للتفكير (ثنك تانك) وشاركت في ندواته العلمية والسياسية في واشنطن وباريس وروما ودسلدورف وعديد المدن كما ربطتني صداقة فكرية مع السيدة هلجا وزوجها السيد ليندن لاروش المستشارالاقتصادي للرئيس الأمريكي الأسبق رونالد ريجن ودعيت ضيفا للغداء أو العشاء في مقار اقامتهما بكل من بنسيلفانيا الأمريكية أو مدينة فيزبادن الألمانية. فالسيد لاروش أمريكي والسيدة هلجا ألمانية جمعا في نضالهما الطويل من أجل طريق الحرير وحزام التنمية العالمية بين أمريكا وأوروبا وكنت أنا مع الصديق المثقف العراقي السويدي حسين العسكري العربيين الوحيدين الملتزمين بتلك المبادئ والقيم إلى اليوم، واليوم أشعر بالسعادة والفخر أمام انتصارها بعد ثلث قرن كما سعدت بمشاركة سعادة وزير المواصلات القطري في منتدى الحزام والطريق للتعاون الدولي بعاصمة الصين بيجين بتوجيه من صاحب السمو أمير قطر حفظه الله. من جهة ثالثة أهداني زميلي حسين العسكري كتابه الجديد الصادر منذ أيام قليلة عن مؤسسة (اكزيكيتيف أنتليجنس ريفيو) بعنوان (من طريق الحرير الجديد إلى الجسر البري العالمي) وهو الكتاب الضخم الذي يقدم تفاصيل وغايات النظام العالمي البديل بالخرائط الدقيقة والأرقام الثابتة والمشاريع الواضحة والالتزامات الدولية حتى يستوعب القراء حقيقة تحويل الحلم الذي راودنا بداية الثمانينيات إلى برنامج عملي قابل للتنفيذ، برنامج عملاق لكنه ممكن أن يتجاوز الحدود والأيديولوجيات والصراعات السياسية وبقايا النوازع العرقية والطائفية ليشمل بخيره كل البشر بواسطة شبكة عالمية من التضامن الفعال عبر وسائل الاتصال العابرة للقارات. في هذا الكتاب الذي أهدى ناشره منه مئات النسخ للدول عبر سفاراتها يقرأ الجمهور كيفية إقرار الأمن والسلام بين الأمم بأدوات التعاون الدولي وبخاصة في إقليمنا العربي الإسلامي حيث يشرح حسين العسكري في الفصل السادس مشاريع الخطوط الاتصالية بين الشعوب تلك الخطوط التي كانت موجودة وألغاها النظام العالمي الأطلسي الجائر من أجل الدخول في الحرب الباردة وتهديد العالم بالحرب النووية الثالة المعلنة. وهي خط برلين بغداد إسطنبول (ترانزوروب إكسبريس) وطريق الحجاز عبر عواصم الشرق الأوسط والخليج العربي وخط الشرق السريع الذي يربط بين الشرق الأوسط ودول المغرب العربي ودرب زبيدة وهو طريق الحج من الكوفة إلى مكة المكرمة والخط الواصل بين بغداد والنجف وحائل والمدينة المنورة إلى مكة وجدة وخط النيل الرابط بين مصر والسودان والبلدان الإفريقية عبر منطقة البحيرات الكبرى ثم خط المغرب العربي الذي يشكل حزاما إقليميا بين الاسكندرية وطرابلس وصفاقس وتونس ثم الجزائر وفاس. أعتقد أن هذا النظام العادل البديل يقوم على علاقات دولية مختلفة انخرطت فيها الصين (وهي المؤسسة) وروسيا والهند والبرازيل وألمانيا ويفكر الرئيس (ترامب) في الالتحاق بالركب وقال ذلك عند استقباله السيد (لافروف) الأسبوع الماضي ثم إن هذا النظام الدولي الجديد سيكون المحور الأول في مؤتمر قمة الدول العشرين الأقوى الذي سينعقد في مدينة هامبورج الألمانية يومي 7 و8 يوليو القادم بقصد إعلان تمرد عالمي شامل على ما ساد العالم من مظالم التغول الأمريكي الأوروبي لمدة سبعين عاما.