14 سبتمبر 2025

تسجيل

المعلم الخارق

22 أبريل 2013

حقيقة لا يمكن إنكارها، أن للمعلم دور يأتي على رأس المنظومة التعليمية، ولعل مهنة التدريس من المهن الشاقة التي تستهلك الوقت والجهد والأعصاب، بل وإنها تأخذ من العمر الذي لا يعود، والشباب الذي له أن يفنى في أسمى الأعطية وأجملها، كعطاء العلم والمعرفة. وعلى ذلك، فإنها تتجلى لنا حجم الأعباء التي يُمارسها المعلم، أو أنها هي المُلقاة فعلاً على عاتقه، بسبب المجهود الذي يُبذل لذات الغاية، أو حتى من قِبل الطالب نفسه. ولعل الطالب، وهو الجانب الإنساني في جل الموضوع، والطرف الأهم والأصعب في التعامل المباشر، إذ إن المعلم لا يتعامل مع بضع طلاب ولكن مع مجموعة كبيرة، تختلف مستوياتهم التعليمية وقدراتهم في الفهم والاستيعاب، وبعقليات مختلفة تتفاوت بين التفوق والضعف، ناهيك عن أن المعلم يكاد أن يكون المصدر الوحيد في نقل المعارف والعلوم من الكتب والحياة، وغرسها في ذهن الطالب. فإذا كان ضغط مثل هذا يواجهه المعلم في مجتمعه المصغر "المدرسة"، فكيف سيواجه بعدها ضغوط حياته الأخرى التي لا يكاد بالفعل يعيشها بالصورة الحقيقية المناسبة؟ بل أين يمكن أن يفرغ جميع تلك الضغوطات النفسية والعصبية، ولا سبيل إلا للانفجار، بعد زحمة العمل، وكثافة المنهج، ومواجهة الطلاب، وورش العمل، ثم تنقضي الحياة دون أدنى نهاية مرضية للأسبوع، تمكنهم من العطاء بشكل أفضل وأجمل وأبهى. إن التطور هو النهوض بالمجتمع، فكيف لو كان التطور يخص التعليم والمنظومة التعليمية، كيف سيتشكل لنا ركب الازدهار الذي ستسير عليه الدولة والشعب، وكيف سيتكون لنا جيل مثقف يعي ويستوعب دور المعلم الجبار في أشرف المهن وأسماها على الإطلاق..؟ كيف لو كان التطور هو تطوير لراحة المعلم، والاهتمام بنفسيته ووقته وجهده وعمله، خاصة إذ كانت "المعلمة امرأة" لها من الحقوق ما عليها من الواجبات، خاصة أنها الأم والزوجة ومربية المنزل، كيف لها أن تدير كل تلك الشؤون دون أدنى تقصير أو حتى إحساس بالذنب في أنها لا تقوم حقاً بدورها الكامل وبصورته المتكاملة، بسبب تصلب العلاقات الاجتماعية مع الآخرين كما قال عنها الدكتور طارق الحبيب. إن ما يحدث الآن من استنزاف للطاقة الكامنة والظاهرة، وإنهاك واضح لا يُلحق بالمعلم سوى الإرهاق وضعف القابلية في العطاء والتعليم، وتقليص جانب الإنجاز الذي قد يكون أهم الجوانب وأكثرها تميزًا في عالم العلوم، لا علاقة له بالتطوير ولكن بأمر يُشبه التراجع والتدهور على الأغلب، أو أنه التعجيز الذي لا يُناسب الطبيعة البشرية. لعل المعلم لم يدخل بعد دائرة القوى الخارقة، أو الإعجاز ـ إن قارن التحدي ـ ولم يخرق نظام الطبيعة حتى يأتي بالمعجزات، هو يبقى في النهاية بشر، يملك ذات الوقت الذي نملكه، وذات الطاقة، ونفس العلاقات الاجتماعية والاحتياجات. والجدير بالذكر أن ثمة إشكاليات يكون حلها في إعادة الهيكلة كعلاج جذري، كمثل هذه الإشكالية التي لا يكون حلها إلا بإعادة هيكلة الخطة التدريسية والنهج الذي أُجبر عليه المعلم لانتهاجه، فالابتكار في التدريس يعود له في النهاية، أيضاً كفكرة تقليص ساعات العمل الطويلة، التي هي في النهاية تُرهق الطرفين في أداء الواجبات وقيامها على أكمل وجه. مدارسنا هي بيوتنا، والمعلمات أمهاتنا، والمعلمون آباؤنا، وفي خضم كل ذلك، نحن ننشد العلم والمعرفة، ونبذ الجهل والظلم، فإذا كان الطريق معبد لذلك، مشاه الجميع حيث الأفق، حيث النور والأثير، العلم الذي يحبه الله ومنه نطلب الاستزادة، الله الذي يقول في محكم التنزيل: "وقل ربِ زدني علما".