17 سبتمبر 2025
تسجيلعلى مدى الأيام القليلة الماضية تواردت أنباء متتالية ومقلقة من الغرب والشرق تدور حول الثروة النفطية وإمكانية فقدان هامشها الاحتياطي بصورة سريعة وغير متوقعة، حيث أشار "جيم كرين" الباحث في مجال الطاقة والكهرباء بجامعة "كامبريدج" إلى أن السعودية تتعرض لخطر فقدان هامشها الاحتياطي. وفي الوقت نفسه أشار باحث آخر في معهد الطاقة في العاصمة اليابانية طوكيو إلى أن العمر الافتراضي للنفط أقل بكثير من مما هو متوقع، مؤكداً أن الاحتياطي العالمي سوف يستنفذ مع حلول عام 2030، علما بأن التقديرات السابقة لشركات النفط الغربية الكبرى سبق وأن أشارت إلى أن هذا العمر الافتراضي سوف يستمر حتى عام 2040. من جانبها أشارت مجلة التايم في عددها قبل الأخير إلى المخاطر والتهديدات المحيطة بإنتاج النفط في العالم ومشككة في الكثير من البيانات والأرقام المعلنة، حيث تملك المصادر الثلاث السابقة مصداقية كبيرة على اعتبار أنها صادرة عن أكثر من جهة عالمية وعن مؤسسات علمية عريقة ومختصة بشؤون النفط والطاقة. من جهتها لا تملك البلدان النامية المنتجة للنفط معاهد ومراكز أبحاث متخصصة في شؤون الطاقة والنفط، وذلك رغم اعتمادها شبه الكامل على صناعة استخراج المواد الأولية، مما يعزز من هذه الشكوك الخاصة بالطاقات الإنتاجية ومستقبل الطاقة في العالم بشكل عام. وإذا ما أخذنا توقعات المصادر الثلاثة الماضية، فإن هناك عدة احتمالات يمكن أخذها بعين الاعتبار أدت إلى سرعة نضوب مصادر النفط وبصورة معاكسة للتوقعات السابقة، حيث تكمن هذه الاحتمالات في العناصر التالية: أولا: ربما تكون تقديرات احتياطيات النفط السابقة غير صحيحة ومبالغ فيها، إما بسبب سوء تقدير شركات النفط الأجنبية التي قدرة هذه الاحتياطيات أو أن بعض بلدان منظمة "الأوبك" سبق وأن بالغت في حجم احتياطاتها بهدف زيادة حصتها في سقف إنتاج المنظمة، وبالأخص أثناء زيادة المعروض في الأسواق والذي أدى إلى انخفاض الأسعار إلى أقل من 10 دولارات للبرميل في عامي 1986 و1998. أما الاحتمال الثاني؛ فإنه يكمن في الزيادة الكبيرة في إنتاج بعض البلدان المصدرة للنفط في السنوات الخمس الماضية، وذلك بهدف تلبية الطلب العالمي المتزايد وللحد من ارتفاع الأسعار والتي وصلت لمستويات قياسية قبل عامين ليصل سعر برميل النفط إلى 147 دولارا للبرميل، مما أثر على حجم الاحتياطيات والتي تشير التوقعات السابقة إلى أن حجمها أقل من مما كان يعتقد في بدايات تقديراتها الأولية. وثالث هذه الاحتمالات ربما يتعلق بإعادة رسم خارطة احتياطات النفط العالمية، حيث أعلنت كل من فنزويلا والبرازيل وروسيا مؤخرا عن اكتشافات نفطية هائلة، بحيث تجاوزت احتياطيات النفط الفنزويلية احتياطيات السعودية البالغة 260 مليار برميل لتحتل فنزويلا المرتبة الأولى عالميا في حجم هذه الاحتياطيات، وذلك إذا ما صدقت هذه التقديرات. وفي كل الأحوال؛ فإن هناك شكوكا حقيقية تدور حول إمكانية فقدان الهامش الاحتياطي للنفط في بعض بلدان المنطقة، مما سيترتب عليه عواقب اقتصادية واجتماعية عميقة، إذ إن ما يدور حاليا حول هذا الموضوع لا يمكن أن يكون مجرد تدوير للكراسي بين البلدان المالكة لأكبر احتياطيات النفط في العالم. وفي مقابل الاحتمالات الواردة أعلاه، فإن على البلدان المنتجة للنفط أن تدرس خياراتها الحالية والمستقبلية بعناية في حالة إذا ما صحت هذه التوقعات الصادرة عن مؤسسات بحثية وأكاديمية مرموقة وتملك مصداقية كبيرة. ومع أن هذه الخيارات تبدو محدودة بسبب قصر الفترة الزمنية التي تحدثت عنها هذه الدراسات والمقدرة بـ 17 عاما، إلا أنه لابد وأن تكون هناك مخارج يمكن أن تسهل كثيرا من عملية الإعداد للانتقال إلى فترة ما بعد النفط، وهي فترة مهمة وحساسة للبلدان النامية المنتجة للنفط، بما فيها بلدان منطقة الخليج العربي التي اعتمدت عملية التنمية فيها خلال العقود الستة الماضية على عائدات النفط بصورة أساسية، إذ ربما نشير إلى هذه الخيارات القابلة للتطبيق في مقالات قادمة إن شاء الله.