12 سبتمبر 2025

تسجيل

درس الكرامة للباحثين عن الكرامة

22 مارس 2016

ليس من السهل أن تلعق الجرح وتشد عليه وأن تتابع المسير، فهذا يحتاج إلى عزيمة وإرادة لا تقهر، ربما يكون هذا الوصف هو الأقرب للدقة عند وصف الانتصار الكبير للجيش العربي الأردني والفدائيين الفلسطينيين في معركة الكرامة قبل 48 عاما، وتحديدا في الحادي والعشرين من مارس 1968، أي بعد 9 شهور فقط على الهزيمة العربية التي خسروا فيها ما تبقى من فلسطين.لقد كان انتشاء العدو الإسرائيلي بانتصاراته كبيرا لدرجة اعتبروا فيها الأردن لقمة سائغة، لدرجة أن وزير الحرب الإسرائيلي في ذلك الوقت موشيه دايان جمع الصحفيين في أريحا، قبل الهجوم على الأردن، ودعاهم ليشربوا الشاي معه في مساء ذلك اليوم على مرتفعات السلط، لكنه عاد وبعد ساعات فقط إلى تأجيل الدعوة حتى إشعار آخر، لكن الدعوة تأجلت إلى الأبد، فلم يستطع أبدًا أن يشرب الشاي فوق جبال السلط.بعد الهزيمة العربية أو ما عرف بـ"النكسة" في يونيو 1967، نشط العمل الفدائي الفلسطيني على الحدود الأردنية الفلسطينية، وأراد الإسرائيليون أن ينتهوا من "وجع الرأس" وذلك بمهاجمة القواعد الفلسطينية على الأرض الأردنية وإنهاء العمل المسلح الفلسطيني، وتحقيق أهداف أخرى منها: معاقبة الأردن على احتضانه للعمل الفدائي الفلسطيني، احتلال مرتفعات السلط الإستراتيجية، وتحويلها إلى حزام أمني لإسرائيل تماما كما حدث بعد ذلك في جنوب لبنان. وربما أفضل من لخص الهدف الإسرائيلي هو قائد معركة الكرامة، الفريق مشهور حديثة الجازي الذي قال: "كان الهدف الإسرائيلي هو "إحضار الأردن إلى طاولة الاستسلام" من خلال احتلال أجزاء من الضفة الشرقية ومن ثم بدء التفاوض على هذا الأساس، لقد كانوا يعتقدون بأنهم قادمون في نزهة إلى الأراضي الأردنية.المفاجأة التي لم تكن في حسابات العدو الإسرائيلي هي إرادة الصمود والعقيدة القتالية التي ترى في الإسرائيلي عدوا وجوديا، والتلاحم الأردني الفلسطيني منقطع النظير، فقد حارب الفدائيون الفلسطينيون إلى جانب جنود الجيش الأردني، ويسجل للمقاومة الفلسطينية تصديها للقوات الإسرائيلية المهاجمة لمدة 50 دقيقة كاملة مع بدء الهجوم، ما أتاح للجيش الأردني الدخول في المعركة بكل قوته، ودحره للقوات الإسرائيلية الغازية وتكبيدها خسائر لم تعهدها من قبل، دفعت حاييم بارليف رئيس الأركان الإسرائيلي في حينه للقول:"إن إسرائيل فقدت في هجومها الأخير على الأردن آليات عسكرية تعادل ثلاثة أضعاف ما فقدته في حرب يونيو". ووصف قائد مجموعة القتال الإسرائيلية المقدم (أهارون بيلد) المعركة فيما بعد لجريدة دافار الإسرائيلية بقوله: لقد شاهدت قصفًا شديدًا عدة مرات في حياتي لكنني لم أر شيئًا كهذا من قبل لقد أصيبت معظم دباباتي في العملية ما عدا اثنتين فقط. وهي المعركة التي اعتبرها المارشال جريشكو رئيس أركان القوات المسلحة السوفيتية "نقطة تحول في تاريخ العسكرية العربية".فقد طلب الإسرائيليون وقف إطلاق النار بعد 5 ساعات من الهجوم فقط، لكن ذلك لم يتحقق له، واستمر القتال 16 ساعة كاملة تكبد خلالها جيش الاحتلال الإسرائيلي خسائر فادحة واستغرقت عملية انسحاب قوات العدو الإسرائيلي 9 ساعات كاملة بسبب هجوم الجيش الأردني والفدائيين الفلسطينيين عليهم.فشل العدو الإسرائيلي في تحقيق أهدافه المتمثلة بالقضاء على الفدائيين الفلسطينيين، احتلال موضع قدم في الأردن أو الاستيلاء على مرتفعات السلط الإستراتيجية، وربما كان أفضل وصف للمعركة هو ما قاله صانع النصر، قائدها الفريق مشهور حديثة:"معركة الكرامة درس مبكر من أصغر قوة في المنطقة، أي القوة الأردنية، بإمكانية الانتصار إذا توفرت الإرادة"، وتابع "أقول بكل فخر، إنني استطعت تجاوز الخلاف الذي كان ناشئا آنذاك بين الفدائيين والسلطة الأردنية، فقاتل الطرفان جنبا إلى جنب، وكقوة موحدة تحت شعار: كل البنادق ضد إسرائيل، فكانت النتيجة والحمد لله مشرفة".معركة الكرامة درس بليغ لأمة تبحث عن الكرامة في مواجهة عدو إسرائيلي لئيم وغادر لا يفهم سوى لغة القوة، ولا شيء غير القوة.