11 سبتمبر 2025

تسجيل

مثاليون حدّ الغباء

22 مارس 2015

من زمان بعيد كنا نرى أن المسافات وهمية وكل الحدود وهمية، كنا نرى أن ما بيننا متصل ليس بالطبيعة والجغرافيا وحسب، وليس بالأنفاق التي حفرتها أوروبا بملايين الدولارات كما فعلت فرنسا وبريطانيا ليتصلا حتى من تحت بحر المانش برغم الحروب والمذابح التاريخية بينهما، كنّا نظن أننا متصلون بالهواء، بالدم، بالإرث، باللغة، بالروح، بالفرح، بالحزن، كم كنّا بسطاء!! كنّا نظن أننا سننسج أجمل خارطة للمحبة، وسنعزف أجمل سيمفونية كان قد سمعها العالم من قبل ولا يخشى غيرها، كم كنٌا مثاليين، أفلاطونيين، نعيش في المدينة الفاضلة، ما أروعنا وأغبانا! كنّا ننزف ونصهل حين رأينا بلداناً متخاصمة حدّ الحروب، متناثرة حدّ الخيال، راطنة بأكثر من لغة، متلونة بغير لون، ولم تكن مرةً أمة واحدة أو نسيجاً واحداً، تحقق وحدة أوروبية عملية لتحمي نفسها من أعتى الأنظمة التي تفرض هيمنتها بكل الوسائل الشرعية وغير الشرعية، المتاحة وغير المتاحة، الظاهرة والباطنة، ولا نفكر نحن العرب بإلغاء تأشيرة دخول هزيلة بين بعضنا بعضاً؟! كم كنّا أبرياء، لا سياسة تشوهنا ولا اقتصاد يهزنا! كنّا نتأمل كيف أن المسافر الأجنبي يُكرّم ويختال تيهاً في مطاراتهم بينما ندخل نحن أكشاك الشك وطابور الوهم والهدر ونُصاب بالإحباط لأننا فتحنا صنابير مائنا وقلوبنا ومدارسنا وجامعاتنا للقادمين من الماء إلى الماء، وكنّا نصيح كيف لغرباء أوروبا أن يلتقوا ولا يزرعوا في أحداقنا الدمع ولا يتركوا في حلوقنا الغصّة!، كم كنّا أبرياء حدّ الغباء ومقطوعين من شجرة! كنّا نشعر بالغيرة وبالحزن المقيم عندما قامت الوحدة الأوروبية وسرى اليورو بين أيديهم، ونحن حينذاك نتساءل: لماذا لا يسري النقد العربي الموحّد بين أيدينا؟ تصوروا! كناّ نرى أن القادم أخطر والمشروع ينتقل إلى مرحلة جديدة وإلى طريقة أخرى من الأداء والإخراج كُرّس لهما الكثير من الجهد والمال، وكنّا نأمل أن نهرول نحو بعضنا بعضاً للعمل على مشروع نهضوي ونتحصن برؤية مشتركة أو حوار مشترك، على الأقل بين البلدان المتجاورة أو المتصاحرة أو المتشاطئة لننسج سجادة من الأحلام والأيام، نصلي على أهدابها ولا ننام، بالله عليكم، هل يوجد أغبى منّا في هذا الكون؟!