12 سبتمبر 2025
تسجيلفي السابع والعشرين من شهر يناير الماضي ألقى الرئيس السوداني عمر البشير خطابا مطولا بشر فيه شعبه بنيته في تغيير منهج الحكم الذي سار عليه على مدى ربع قرن من الزمن. ذلك النهج الذي آلت فيه القيادة والريادة إلى أهل الولاء بدلا من أهل الكفاءة. وهو المنهج الذي وضع أسسه الشيخ الترابي، عراب الحركة الإسلامية السودانية، والذي عرف بمنهج (التمكين). وأهل الولاء هؤلاء هم أعضاء الحركة الإسلامية وحدهم لا شريك لهم. ورغم تجاربه الكثيرة غير المشجعة مع وعود نظام الإنقاذ، ومع اتفاقاته الكثيرة التي أبرمها مع القوى السياسية، ولم ير أي منها النور على أرض الواقع، إلا أن الشعب السوداني قرر أن يعطي حكومة الفريق البشير فائدة الشك هذه المرة نسبة للأوضاع الخطيرة التي آلت إليها البلاد، وبالصورة التي لا تسمح لكائن من كان أن يمارس منهج التكتيكات السياسية اللولبية التي تهدف إلى شراء الوقت أملا في تبدل الأوضاع من تلقاء نفسها، ومن ثَمَّ يطيب المقام السياسي للنظام. هذه القناعة جعلت الشعب السوداني يعطي شكوكه الراسخة في مصداقية عروض النظام، يعطيها إجازة قصيرة، ينظر أثناءها ماذا يفعل نظام الحكم في الملفات الكثيرة المعقدة التي تنطرح أمام ناظريه بصورة مزعجة. وتسهيلا على النظام المتردد، قبل المعارضون للفريق البشير بنود التراضي الوطني التي طرحها. مثل بنود العودة عن سياسة التمكين الظالمة للكفاءات التي لا تنتمي لحزب الحكومة. ومثل بنود كفالة حريات الرأي والتعبير والنشر والاجتماع. ومثل بنود إلغاء القوانين المقيدة للحريات التي تلغي بنود الدستور الكافلة لهذه الحريات. في قبولهم لنداء الفريق البشير، لم يضع المعارضون شروطا تعجيزية أمام دعوة الرئيس. وطالبوا فقط بما يفتح الطريق أمام حوار جاد لا يضيع وقتا ولا جهدا. وحدد المعارضون مطلبا واحدا رأوا أنه لابد من الإيفاء به وهو مطلب إلغاء القوانين المقيدة للحريات. وانتظر المعارضون استجابة الرئيس لرفع القوانين المقيدة للحريات بأمل كبير. ولم يطل انتظار المعارضين. لسوء الحظ جاءت الرياح بما لا تقدر عليه سفن النظام، ولا تستسيغه شهية المعارضين. حدث ذلك عندما أقامت المعارضة ندوة سياسية مفتوحة في ميدان عام تناقش الأوضاع المتردية في البلد على هدى دعوة الرئيس. المعارضة التي لا تعلم الغيب بطبيعة الحال أخذت دعوة الرئيس مأخذا جادا وأتت بقضها وقضيضها وحججها تريد نقاشا جادا ومفتوحا ينظر في سبيل الخروج من محنة البلد التي طالت واستطالت واستحكمت. هذا الحراك السلمي الصادق أزعج الحكومة على الآخر. وقررت أن تنسى كل ما جاء في دعوة الرئيس للحوار وللتراضي الوطني. وقمعت المشاركين في الندوة بقسوة شديدة. وتفرق الحضور تحت وابل من القنابل المسيلة للدموع والضرب بالهراوات البوليسية! كانت تلك نهاية فاجعة لدعوة الرئيس للتراضي الوطني. لقد تفرق الجميع، وتركوا وراءهم التراضي الوطني مركوما في سلة الأماني الكاذبة.