11 سبتمبر 2025
تسجيليمثل اعتذار المملكة المغربية عن احتضان عقد القمة العربية في مراكش الحمراء، انعطافة مهمة في مسار العمل العربي المشترك، ومؤشرا واضحا على حالة الانهيار في النظام السياسي العربي الذي يعيش اليوم مرحلة عصيبة وحساسة في ظل انهيار الأوضاع في الشرق العربي، وصراع الأجندات الدولية في ملفات سوريا والعراق واليمن وحتى مصر، إضافة لوصول حالة الانقسام العربي لمرحلة هي الأخطر منذ أن انبثقت مؤسسة القمة العربية في مؤتمر القاهرة عام 1964، بعد مؤتمرين سابقين في أنشاص في الإسكندرية عام 1946 وبيروت عام 1956، قبل أن تتحول القاهرة في زمن الحقبة الناصرية لمقر شبه دائم لمؤتمرات القمة العربية التي تنقلت بين العواصم العربية ومن الملاحظ أنه كان للمملكة المغربية دور فاعل فيها أيام الملك الراحل الحسن الثاني وحيث عقدت فيها 7 قمم عربية بدءا من مؤتمر الدار البيضاء عام1965، المهم إن الاعتذار المغربي الرسمي عن عقد القمة بسبب انهيار الوضع العربي وعدم إمكانية الوصول لتحقيق غايات وأهداف مشتركة يمثل تراجعا واضحا في أداء الدبلوماسية العربية، وتعميقا للأزمة المستفحلة، واستسلاما لحالة الحروب القائمة والتي أظهرت العجز الفاضح لمنظمة الجامعة العربية في تحقيق أي اختراق حقيقي لانفراج الأزمة المستعصية منذ أن فشلت الجامعة العربية ومعها الأمم المتحدة في مهمتها في سوريا!، البيان المغربي أكد عدم الحاجة لخطابات سياسية تعمق الانقسام العربي؟ ولكن أحوال القمم العربية السابقة بل جميع المؤتمرات والقمم الدولية عادة ما تتسم بالخطابات الرنانة وبالقرارات المبهرة والتي لن تجد طريقها للتنفيذ الفعلي ميدانيا!، وهم ما أتسمت به على الدوام نتائج مؤتمرات القمة العربية التي كان بعضها مفصليا مثل مؤتمر الخرطوم الذي أعقب هزيمة حزيران عام 1967 مؤكداً على دعم مصر ومشهرا اللاءات الثلاث (لا صلح لا تفاوض ولا استسلام)!، ومؤتمر الرباط عام 1974 الذي أكد كون منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، ومؤتمر قمة بغداد عام 1978 الذي قاطع مصر ونقل مقر الجامعة العربية لتونس!، ومؤتمر الدوحة عام 2013 والذي اعترف بالائتلاف الوطني السوري كممثل شرعي للشعب السوري، اليوم وبعد التطورات السلبية في الوضع العربي يقف العالم العربي في مواجهة رياح عاصفة تهب على الشرق العربي ولا تتغافل عن المغرب العربي وهي رياح تقسيمية زادتها ضراوة وعصفا تفشي الإرهاب ونمو الجماعات المسلحة، وبروز تعقيدات داخلية في إدارة الأوضاع في أكثر من بلد عربي، فهل أطلق المغاربة رصاصة الرحمة على مؤتمرات القمة في زمن أحوج ما يكون فيه العرب للتنسيق والتعاون وشد الأزر في مواجهة المخططات الدولية الشيطانية والخبيثة الهادفة لتمزيق الأمة وتقسيمها لكانتونات طائفية معزولة ومريضة؟. التحديات التي تواجه العالم العربي هي واحدة في المشرق أو المغرب، واستهداف الوجود العربي ووحدة العالم العربي أضحى الهدف المعروف والمفضوح والمكشوف بعد أن سقطت ورقة التوت عن العديد من المتاجرين بقضايا الأمة، ودول الخليج العربي بقيادة السعودية ودولة قطر تحديدا تحديات سياسية وأمنية وعسكرية صعبة جدا ومصيرية في بناء وتعزيز منظومة أمنية وسياسية عربية يمكنها مواجهة المستجدات، هنالك مخاطر عظمى وغير مسبوقة تواجه العالم العربي وتستهدفه في وجوده وخلاياه الحية في جنوب الجزيرة العربية وفي شرقها في البحرين وفي شمالها في العراق المقسم والشام التي تعاني من نتائج حرب فاشية إرهابية أشعلها النظام الفاشي السوري متكئا على دعم حلفائه الروس والإيرانيين وقطعان العصابات الطائفية المسعورة!، والجامعة العربية تعيش التراجع والانحسار بل التواري، لذلك فلابد من تحرك عربي مسؤول لتصحيح الأوضاع وتقويمها وممارسة سياسة تعيد البناء والتوازن السياسي وأحسب أن عبأ ذلك منوط بمبادرات الدبلوماسية القطرية الشابة والمسؤولة بالتعاون مع الجهد الدبلوماسي السعودي في قيادة الأمة نحو خارطة طريق سياسية جديدة تعيد لمؤسسة القمة العربية زخم انطلاقتها وتؤسس لمشروع سياسي حضاري متقدم يستطيع إدارة ملفات الصراع بحرفنة ومهارة واستنادا لمعطيات وعناصر تحرك جديدة ووفق إيقاعات مختلفة!، لربما تكون الخطوة المغربية في تأجيل عقد قمة مراكش ولربما إلغاؤها بمثابة (وقفة تعبوية) لمراجعة الموقف، والبدء بتحرك عربي جديد تبدو الدوحة أو الرياض هما الأقرب لممارسته، فالرياح العاصفة الهابة على الشرق تحتاج لمصدات وقائية حاسمة، والعرب اليوم يقفون عراة في مواجهة العواصف!