12 سبتمبر 2025

تسجيل

قنديل الكلام

22 فبراير 2015

اللغة إناء يختزن حضارة الشعوب، وغالباً ما تعكس مفرداتُها سيرورة وصيرورة الحياة، فالساميّة لغة تتناصف التذكير والتأنيث بجملة مفرداتها، وإن دلّ هذا على شيء فإنما يدل على واقع ما تمتعت به المرأة في الحضارات الساميّة في مهد الهلال الخصيب، فكلمة «إنسان»في اللغة العربية - والعربية هي من أحدث اللغات الساميّة وأكملها - تعني المرأة والرجل على حدّ سواء تماماً، بعكس اللغات الأوروبية التي يتمركز فيها طغيان الذكورة،لأنها نشأت في الأصل في مجتمع أبوي مكتمل، فيقال «Man» للإنسان، وهي تعني الرجل أيضاً، وتُلحق بها «Wo» عندما يُراد بها المرأة لتصبح «woman». عندما تؤنث اللغة مظاهر الطبيعة وقضايا المجتمع الكبرى وجموع التكسير، وتتناصف حتى أعضاء الجسم، فهذا يعني أن اللغة ثروة ممكنة الاستغلال ومادة خصبة، لا لنقول وحسب، بل لنفعل أيضاً، ونُقدّم اختراقاً قادراً على الالتفاف كجذور الباسقات من الأشجار التي وإن اصطدمت بأقسى الصخور فإنها قادرة على إيجاد طريقها نحو الخصوبة والنماء، فكيف نستغلّ هذه الثروة ولا نهدرها؟! إن جل ما يقلقني هو ما تنحو به بعض الكاتبات نحو جسد المرأة، وتكريسه كمادة من قبل الكاتبة عينها، وهنا لا أُصادر كينونتها التي تكسر القيود الكاذبة التي تتعارض مع شرطها الإنساني، لكنني أضع تخوماً واضحة المعالم بين التحرر والتحلل، بين الجرأة والوقاحة، فحرية الكتابة تعني الالتزام بعلاقتنا، بذواتنا، وعلاقتنا بالآخر، وعلاقتنا بالعالم، وهذا توازن - كتوازن الطبيعة التي ترمم نفسها - بين العام والخاص، والتركيز على كونه منتهى الحرية من قبل البعض لا يشكل إلا حالة من العجز الإبداعي والإنساني، تستطيع الكاتبة أن تكون جريئة وصادقة، وهذا ما هو مطلوب من الإبداع بكل أحواله، لكنها ملومة، بل مرفوضة، حين تُسلّع قلمها فيسقط في المجانية والابتذال بغية الشهرة والاقتداء بالغير ليُسوَّق لها ويعطي فرصة للانتهازيين لترجمة هذا الهزال. الخطاب القديم حجّب وعي المرأة وجسدها، والحديث عرّى جسدها وصدّع وعيها، وهنا يكمن دور القلم الأنثوي وأهميته في هذه المرحلة، والكاتب بالعموم لا يكون مبدعاً ما لم يتمتع بذهنية حدسية تصل إلى عمق الأشياء، تماماً كما تشعر الخيول الأصيلة بالزلازل قبل حدوثها، فمهلاً لأنكن محسوبات علينا.