18 سبتمبر 2025
تسجيلgoogletag.display('div-gpt-ad-794208208682177705-3'); googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1462884583408-0'); }); ومن الجدير ذكره؛ أن النقطة المحورية التي تَحدث عندها المراجعات هي لحظة المدخلات والمخرجات، حيث تمضي على أشكال الممارسة والخطاب وأنماط الفعل سنوات تكون كافية للحكم على حالة الإخفاق وتعثر المسار، وتصبح معها وظيفة التبرير غير قادرة على تجنيد التنظيم وتأطيره وضمان استمراريته على نفس الرؤية، مما يحرك الدافعية لإجراء عملية المراجعة، والتي تأخذ مساراً مطرداً إلى أن تصل إلى أحد المستويات الثلاثة التالية: تفجير نسق الرؤية أو تعديله أو خلق شروط تتعايش فيها مكوناته مع ما هي عليه من توتر.* حركة حماس: قراءة في المشهدكانت حركة حماس - وما زالت - هي الأقوى دعوياً وحركياً في ساحة العمل الإسلامي، فمنذ انتفاضة الحجارة في ديسمبر 1987م وحتى قيام السلطة الوطنية عام 1994م وما أعقب ذلك من تطورات سياسية وأمنية، ظلت الحالة الإسلامية التي تمثلها حركة حماس في تنامي مضطرد، وقد أضافت النجاحات التي حققتها الحركة في ساحة الفعل المقاوم والعمل الإغاثي مكانة متقدمة، بل وأعطتها قدم السبق، وجعلتها على رأس كل القوائم للنقابات العمالية والمهنية والاتحادات والكتل الطلابية، ومنحتها صدارة المشهد السياسي بامتياز بعد انتخابات يناير 2006م.في الحقيقة، جاءت نتائج الانتخابات مفاجأة للجميع، وإن كانت التقديرات لدى بعض الإسلاميين بأن حظوظ حركة حماس بالفوز كبيرة، وقد تتجاوز نسبة الـ40%.لا شك بأن الحصول على الأغلبية في الانتخابات التشريعية قد غيّر مسار النقاش والموقف داخل أروقة الحركة في الداخل والخارج حول قضية «المشاركة في الحكومة أو تشكيلها» أو الاقتصار فقط على ثقل الأغلبية في المجلس التشريعي.. وبدون الدخول في تفاصيل الكيفية التي تمَّت فيها عملية حسم الخيارات والبدائل باتجاه تشكيل الحكومة، انتهى المشهد بحكومة تقودها حركة حماس، وتفجر المواجهات مع حركة فتح - السلطة الحاكمة - على كل الصعد.. للأسف؛ لم يكن هناك أي دور مؤثر لفصائل العمل الوطني للعمل على تحقيق حالة من التوازن تسهم في استقرار الساحة السياسية والأمنية.استمرت أشكال التآمر الدولي والتواطؤ الإقليمي وأساليب الكيد والمناكفة السياسية والفلتان الأمني، وكذلك عمليات الاجتياح المتكررة لجيش الاحتلال وقصفه المستمر لقطاع غزة، إضافة للحصار الخانق والتضييق على أهل القطاع وتحويله إلى سجن كبير تحاصره إسرائيل من فضاءاته الأربعة، استمرت كل هذه المكابس المحلية والإقليمية والدولية تضغط بقوة، بهدف كسر إرادة حركة حماس وإفشال عمل الحكومة التي تديرها، ودفعها للاستسلام أو الغرق. أدت هذه الأوضاع غير المستقرة - أمنياً وسياسياً - إلى الانفجار والمواجهات الدامية في يونيه 2007م، والوصول إلى حالة من التشظي والانقسام بين الضفة الغربية وقطاع غزة، وقيام حكومتين بلا رؤية وطنية واحدة، وتشرذم الساحة الفلسطينية واكتظاظها – للأسف - باصطفافات حزبية جناحاها هما فتح وحماس. في الحقيقة؛ كان هذا المشهد هو كل ما تريده إسرائيل للتهرب مما عليها من استحقاقات للطرف الفلسطيني، واتخذت من هذا الانقسام ذريعة لاستهداف غزة - عسكرياً - بأكثر من عدوان في ديسمبر 2008م وكذلك في نوفمبر 2012م، وأيضاً في إضعاف مكانة الرئيس أبو مازن؛ باعتبار أن ولايته أصبحت مقصورة فقط على الضفة الغربية.مع نسائم الربيع العربي ومظاهر الإصلاح والتغيير التي صاحبته كانت هناك فرصة لتحقيق المصالحة وإنهاء الانقسام، إلا أن البعض لم يحسن قراءة اللحظة ولم يوفق في تقدير الموقف، فضاعت الفرصة. اليوم، ومع الانتكاسة التي أصابت مستجدات الربيع العربي، خاصة في مصر وسوريا تلوح أمامنا الفرصة مرة أخرى لكي نجمع شتات هذا الوطن، ونخطو باتجاه الانتخابات التي هي اليوم بمثابة «طوق نجاة» للجميع لإعادة ترتيب البيت الفلسطيني سياسياً وأمنياً ومجتمعياً، في سياق شراكة سياسية وتوافق وطني، وإصلاح لعلاقاتنا المتوترة نسبياً مع عمقنا العربي والإسلامي، وأيضاً التحرك باتجاه المجتمع الدولي الذي يبدو أنه بدأ يتفهم ضرورة إنهاء إسرائيل احتلالها للضفة الغربية، وأهمية قيام دولة فلسطينية حرة ومستقلة، لتحقيق الأمن والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط، والتي تشكل محطة استراتيجية لمصالحه النفطية وأسواق تجارته الحيوية.اليوم، وفي ظل حالة الأزمة الخانقة التي تعيشها غزة، والضغوطات التي يتعرض لها الرئيس أبو مازن، نجد أنفسنا جميعاً في مركب واحد يوشك على الغرق، الأمر الذي يفرض علينا أن نقدم من التسهيلات والتنازلات ما يمنحنا الأمل بإمكانية النجاة، حيث إن أي خيارات أخرى سترهننا للزمن الذي قد يأتي - ولكن - بعد فوات الأوان.لذا فأنا أضم صوتي لكل إخواني من جماهير هذا الشعب العظيم، ومن فصائل العمل الوطني والإسلامي ومنظمات المجتمع المدني، الذي نادوا بضرورة الإسراع بتحقيق المصالحة وإنهاء الانقسام، عبر تشكيل «حكومة تكنوقراط» بحسب المهام التي جاءت في تفاهمات اتفاق القاهرة وإعلان الدوحة.إن رأس حماس – الحركة والمقاومة - ما زال مطلوباً، والحكمة تقتضي – كما يرى البعض - أن تُعفي حماس نفسها من تبعات وتكاليف الحكم الباهظة؛ سياسياً ومالياً واقتصادياً، وأن تحرر نفسها وجماهيرها من مسؤولية الالتزام والمساءلة المباشرة أمام الشارع الفلسطيني في ظل تعاظم التآمر والكارثة الاقتصادية.. كما أن الابتعاد عن صدارة مشهد الحكم سوف يسد باب الذرائع أمام أي عدوان إسرائيلي قادم، وسيقطع دابر الفتنة على أية خلفيات دينية أو سياسية يتم الترويج لها، وسوف يمنح الحركة فرصة التفرغ لإعادة بناء وترميم وتدعيم مؤسساتها الحركية والتنظيمية والاجتماعية، ويهبها آفاقاً أرحب نحو تفكير أدق وأصوب حيال المشروع المقاوم، وسبل صيانته وتنميته وإرساء قواعده ونشر أشرعته وفق رؤى تجديدية وتطويرية تتم بلورتها في ظل التحديات التي تعصف بالوضع الفلسطيني قاطبة.ومن الجدير ذكره؛ أن عملية الخروج من الحكومة يجب أن تتم بتوافق مع الأخ الرئيس أبو مازن، والذي حرص في لقاءاته مع بعض قيادات الحركة في الضفة الغربية على التأكيد بأن الشراكة السياسية مع حركة حماس هي قناعة راسخة عنده وليس مسألة فيها نظر.المراجعات بين الواجب والضرورةفي الفترة الأخيرة تكاثرت الاقتراحات من داخل حركة حماس ومن خارجها تطالب الحركة بضرورة القيام بمراجعات لملفاتها السياسية والحركية والأمنية، وأنا أتفهم بواعث ذلك، حيث إن الكثيرين من هؤلاء وأولئك لهم دوافع صادقة، مبعثها الحرص على هذه الحركة الإسلامية التي شكلت عنواناً نضالياً كبيراً، وأسهمت بجهادها ودماء شهدائها وتضحيات أسراها داخل السجون والمعتقلات الإسرائيلية بصناعة ملحمة من البطولة والمجد، عجّلت بخروج المحتل من قطاع غزة في سبتمبر 2005م، ومنحت المقاومة رافعة تحملها وتحميها، وقد تبدّى ذلك في دفاعها الأسطوري عن قطاع غزة خلال حرب الفرقان وحجارة السجيل.اليوم، لا يشعر أحدٌ بالحرج عندما يتحدث البعض عن المراجعات؛ لأن هذا العمل قد باشرت الحركة العمل به بشكل رسمي وغير رسمي، فهناك داخل مؤسسات الحركة الشورية والبحثية من يتولى ذلك، وقد تأخذ المسألة بعض الوقت، لكن العمل قد بدأ وسوف يتمخض عن مواقف تعبر عن الإجماع داخل الحركة فيما يتعلق بشأن السياسة والحكم، والنظرة لشكل وفعل العمل المقاوم، وأيضاً لطبيعة السلوك وأنماط التحالف مع الآخر، وتوجهات وأبعاد العلاقة الإستراتيجية مع دول الجوار. إن الأسابيع والشهور القادمة سوف تشهد لقاءات فكرية موسعة، وحراكاً داخلياً للخروج برؤية أكثر وضوحاً تجاه التحولات السياسية المطلوبة والانفراجات باتجاه الكل الوطني في ظل صياغات أوسع نضجاً تجاه مشروعنا الوطني، وشكل الشراكة السياسية التي نتطلع إليها مع باقي إخواننا في فصائل العمل الوطني والإسلامي. وأختم - هنا - بهذا الاقتباس الذي يمثل موقف ورغبة الكثيرين من الكوادر والقيادات الإسلامية: «أخيراً.. على حماس أن تدرك أن حالة المراجعة والتقييم والاستدراك بقدر ما تُعبّر عن حكمة وحيوية وسعة أفق وفهم للمصلحة وإعمال لفقه الموازنات، بما يحفظ الوطن وفصائله المقاومة، والشعب وقضيته العادلة، وسط محيط التحديات العاصفة التي تنهشه من كل حدب وصوب، فإنها تعبر أيضاً عن فهم دقيق لنواميس الكون، وانسجام واضح مع قوانين الوجود والحياة، التي لا تُحابي أو تستثني أحداً مهما كان»، وللحديث بقية.