26 أكتوبر 2025

تسجيل

حكايات النساء بمتحف هيا

22 يناير 2024

لماذا احتاج الناس للمتاحف الوطنية حتى أصبحت أحد أهم عناصر الثقافات وحواضنها بما تحتويه من مقتنيات متنوعة؟ علاوة على أنها موارد ثمينة للتعليم والبحث والترفيه، حيث يمكن لزوارها استكشاف الماضي والاستمتاع بتجارب تعليمية وتثقيفية من خلال التعاطي المباشر معها، فهي أيضا خزائن سحر مفتوحة للذكريات المعتقة، حيث تلامس وجداننا بالكثير من مشاعر الشجن والحنين. في الوقت الذي كانت البيوت الخليجية، في سبعينيات القرن الماضي، تحاول أن تنزع عنها أثوابها التقليدية القديمة وترتدي الأزياء الحديثة العابقة برائحة النفط والثروة في كل شيء تقريبا، كان هناك من يحاول أن يستبقي بعض العبق الأثير في خزائن السحر المعتق زاداً للمستقبل. لم نكن نعلم أن الزمن سيمضي في غمضة عين، وأن ما كان عبئاً علينا وعلى بيوتنا القديمة سيكون ذات يوم آت تذكرة المستقبل كله. قبل سنوات قليلة كانت السيدة هيا العجمي تحاول استبقاء ما فر من دفاتر الأيام العتيقة، وتسترجع ذكريات الماضي بمفرداته وأدواته وأزيائه وأوراقه الصفراء المهترئة وكل ما علق بالذاكرة من ذلك الماضي المضمخ بالحنين، فبدأت بجمع كل ما استطاعت جمعه من مقتنيات شخصية من بيت عائلتها ثم بيوت الصديقات والمعارف قبل أن تنتقل للمرحلة الثانية بشراء كل تستطيع الوصول إليه من داخل وخارج الكويت من مقتنيات عتيقة. عندما وجدت هيا أن باستطاعتها رسم ملامح الماضي بما تبقى لها من ذكريات عقدت النية وأعدت العدة لتبدأ مشروعها الثقافي التراثي التاريخي النادر. قررت أن تقتطع جزءا من بيتها ليكون متحفاً باسم؛ متحف بيت هيا الذي أصبح أحد معالم مدينة الجهراء في الكويت منذ افتتاحه في عام 2021. وهيا.. السيدة التي تنتمي لبيئة بدوية محافظة ما زالت تعيش ما تبقى لها من طيوف البداوة على هامش المدنية المعاصرة لم تكن لتنجح في مشروعها الكبير، كأول امرأة كويتية تؤسس متحفا، لولا أنها تملك إرادة حديدية ساعدتها في إقناع أسرتها بالمشروع الذي يعتبر الأول من نوعه في الكويت. واليوم أصبح الحلم حقيقة، وتحولت الحكايات إلى واقع ترويه كل محتويات المتحف الأنيق. قطع أثاث وأدوات زينة وأوان منزلية وكتب مدرسية، بالإضافة إلى أزياء نسائية منوعة وقطع من السدو ومفروشات تقليدية ومطرزات أنيقة بنقشات تراثية ومشغولات يدوية أنيقة تكاد تنطق بتعب أيادي النساء اللواتي اشتغلن بها لتصبح جزءا من التاريخ من دون أن يكون ذلك في مخططاتهن عندما عملن بها. عندما كنت أقلب تلك الأشياء بين يدي وأتلمسها بأصابعي، أثناء زيارتي للمتحف قبل أيام، كنت أغالب عبرتي التي فاجأتني مجللة بذكريات طفولتي بين حكايات الأفراح والأحزان. تاريخ شبه مسكوت عنه لنساء البادية وقد تحولن من الصحراء إلى المدينة فجأة فوجدن أنفسهن أمام تحدٍ جديد وكبير وعليهن اجتيازه؛ أن ينجحن في التحول وأن يكنَّ على قدر ما فرضته عليهن المدينة ذات البيوت المغلقة من مصاعب. نجحت نساء البادية في التحول السلس واجتزن التحدي الكبير من دون أن يلتفت إلى نجاحاتهن الكبيرة تلك أحد ممن حولهن، لأسباب تتعلق بطبيعة المدن العامة غالبا. عندما أخذتني راعية المتحف وصاحبته في جولة سريعة بين أروقته، برفقة بنات شقيقها المدركات لجمال المهمة وسحرها، للوقوف على كل محتوياته لم تكن تعلم أنها كانت تأخذني إلى ذاتي التي نسيتها هناك على حافة بدايات الثمانينيات من القرن العشرين منطلقة نحو مستقبل غامض! كانت هيا تشرح لي بأسلوبها الشفيف وكلماتها المفعمة بعبق اللهجة العجمية الساحرة، تفاصيل كل قطعة ومن أين حصلت عليها وكم كلفها الأمر من جهد ومال، وكنت أفكر لحظتها بتفاصيل حياتي ومحطاتها المهمة وكم كلفني الأمر من جهد ومشاعر لا لأصل، ولكن لأستمر في الرحلة! شكراً هيا.. فما كنت لأعيش تلك التجربة الثرية لولا متحف بيتك الأنيق.