18 سبتمبر 2025
تسجيلأتحرك هذه الأيام في عدة عواصم أوروبية لضرورة إثراء تجربتي في العلاقات الدولية، أستطلع مؤشرات الرأي العام في هذه المجتمعات ذات الأنظمة الديمقراطية العريقة، والتي خبرها جيلي منذ عهد الدراسة الجامعية، كما أجارتنا حين استجرنا بدساتيرها، طالبين اللجوء السياسي للنجاة من الاضطهاد والقمع، وعرفنا بالتالي حرص مؤسساتها على صيانة مجموعة من القيم التي افتقدناها في بلداننا العربية (باستثناء دولة قطر كعبة المظيوم). في الحقيقة لم تتغير هذه المجتمعات كثيرا في تناولها لقضايا الحريات ومعالجة ملفات الحق والباطل، بل ونجدة الشعوب الهشة التي يهاجر شبابها ونساؤها وأطفالها إلى سواحل أوروبا، باحثين عن الأمان والعيش الكريم. والذي سجلته هنا من خلال مطالعاتي لوسائل إعلامهم و جس نبض شعوبهم التلقائية وغير المسيسة هو التقدير الصادق للتعامل القطري، مع ما يسمى هنا أزمة الخليج، أي الحصار الجائر الذي ضربته أنظمة حكم خليجية جارة وشقيقة (وليس الشعوب)على دولة قطر منذ الخامس من يونيه الماضي، وكيف سجلت أغلب وسائل الاتصال السمعية و البصرية والمكتوبة، ذلك الترفع الدبلوماسي الأخلاقي الذي تميزت به ردود الفعل القطرية إزاء سلوكيات متهورة وغير قارئة لعواقب التصرفات الارتجالية. يقول لي أحد أبرز الزملاء الفرنسيين، وهو يدير مركز دراسات استراتيجية في باريس أن الأوساط الدبلوماسية الأوروبية لم تستطع لا فهم ولا طبعا تبرير حصار شامل تعلنه أربع دول لم تتفق حتى على تطبيق إجراءات ما سمته هي من جانب واحد (مقاطعة)؛ لأن المقاطعة الدبلوماسية مقننة بمعاهدة فيينا لسنة 1961 تنص في بنودها على جملة تراتبية ومتناسقة من الإجراءات المتعارف عليها والمتفق عليها كقانون دولي أو كأعراف منذ أكثر من قرن، حتى في حالة حروب أو نزاعات مسلحة، ناهيك عن حصار بري وجوي وبحري سمته هذه الحكومات بالمقاطعة، ولم تنطل هذه التخبطات عن الرئيس الفرنسي (إيمانويل ماكرون) مثلا، الذي نعت الإجراء الظالم بالحصار واستعمل هذا المصطلح حينما استقبل في قصر الإيليزيه حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني. ثم لم تنطل المهزلة على كامل الاتحاد الأوروبي حين تولى وزير خارجية ألمانيا التنديد بما سماه حرفيا "روح المغامرة التي سجلناها لدى المسؤولين السعوديين"، وبالطبع نفس الإدانة عبَّر عنها وزير خارجية الولايات المتحدة، حين طالب السلطات السعودية بتعديل سياساتها إزاء اليمن وقطر! ونلاحظ أن هذه المواقف الرسمية انعكست على المواقف الإعلامية وكذلك على مراكز (الثنك تانك) في تحليلاتها العديدة، من جهة أخرى حرك حدث اختراق طائرات إماراتية عسكرية للأجواء القطرية تعليقات أكبر الصحف اليومية الفرنسية (لوموند ولوفيغارو وليبيراسيون ولوباريزيان) مفندة حسب مصادرها ادعاء الإمارات اعتراض مقاتلات قطرية لطائرات مدنية إماراتية، مؤكدة أن هذا الأمر نفته شركات الطيران الإماراتية نفسها، كما نفت القاعدة الأمريكية في العديد حدوث أي اعتراض لطائرات مدنية وتساءلت هذه الصحف واسعة التوزيع والقراء عن الأسباب التي تدعو الإمارات إلى اتهام قطر باعتراض طائرة مدنية، رغم أن طائرات دول الحصار تطير بحرية فوق قطر، بينما لا تسمح دول الحصار لطائرات (القطرية) بالتحليق في أجوائها! موضحة أن قطر كانت اول من اعترض على انتهاكات الإمارات العربية المتحدة لأجوائها مرتين، وكان ذلك عبر تسجيل للوقائع في تحرك دبلوماسي لمندوبة دولة قطر الدائمة في الأمم المتحدة بنيويورك التي رفعت شكوى قطر إلى الأمم المتحدة بأن طائرة عسكرية إماراتية كانت متجهة إلى المنامة انتهكت مجالها الجوي، إثر حادث مماثل في ديسمبر ومطلع يناير الجاري، فيما زعمت الإمارات اقتراب مقاتلات قطرية من طائرتي ركاب إماراتيتين، رغم أنها لا تملك دليلا واحدا على صحة مزاعمها، فهل هو تزوير مماثل لما قامت به من قرصنة واختراق لوكالة الأنباء القطرية التي كانت بداية شرارة الازمة؟ في خضم هذا التصعيد، يقول المحلل السياسي (باسكال دروهو) خبير الجيوستراتيجيات وأبرز كتاب افتتاحيات مجلة (السياسة الدولية) لصحيفة الشرق القطرية، بأن هذه المزاعم الإماراتية لا أهمية لها، حيث إن قطر تحظى بدعم القوى العالمية، حيث تلقى سمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني اتصالا هاتفيا من الرئيس الأميركي دونالد ترامب لدعم العلاقات الثنائية وبحث خلاله سبل تعزيز مجالات التعاون المشترك، خصوصا في مكافحة الإرهاب، والتي تعتبر قطر محطة استراتيجية أساسية في انطلاق كل العمليات الحربية ضد التنظيم الإرهابي من قاعدة العديد القطرية. خلاصة القول أن سر النجاحات الدبلوماسية القطرية يكمن في تمسكها بالقانون الدولي وثوابت السيادة الوطنية وأعراف التعامل الأخلاقي مع الدول الجارة حتى وإن جارت!