12 سبتمبر 2025

تسجيل

الانتحار الذاتي للإخوان المسلمين (15)

22 يناير 2016

لا يمكن إلقاء اللوم على الإخوان المسلمين في كل ما حدث لهم، فهم تعرضوا لمؤامرات وحرب شعواء من غالبية القوى على الأرض، بما فيها ما يسمى بالقوى السلفية الإسلامية، التي ثبت أنها كانت تعمل ضمن سياقات مختلفة عن الشعار، وأنها كانت جزءا من "الدولة العميقة" التي يديرها جهاز المخابرات والجنرالات العسكريين، وهذه قصة تحتاج إلى بحث، فملف حزب النور السلفي يجب أن يفتح على مصراعيه، لكشف الحالة العميقة لهذا الحزب الذي أدى دورا خطيرا في الإطاحة بثورة يناير التي لم يكن جزءا منها، بل ركبها فيما بعد، وكيف استطاع أن يحرف البوصلة خلال السنة التي قضاها الدكتور محمد مرسي في الحكم قبل الإطاحة به في انقلاب بقيادة عبد الفتاح السيسي.لكن الإخوان المسلمين وضعوا السكين على أعناقهم عندما فشلوا في التعامل مع هذه الحالة العميقة ومع الدولة العميقة ككل، وأعتقد أن هذا الفشل كان منطقيا، فالإخوان المسلمون ليسوا ثوارا ولن يكونوا، لأن الثورة تعني التغيير الشامل، وهم ليسوا من أصحاب فكر التغيير الشامل بل "الإصلاح الترقيعي"، وهذا ما جعل منهم هدفا لكل القوى الأخرى التي اتهمتهم بـ"أخونة الدولة"، وهو المصطلح الذي صكه الإعلام المعادي للإخوان وأركان الدولة العميقة، ما وضع الإخوان والرئيس مرسي في حالة دفاع دائمة لإثبات أنهم لا يقومون بأخونة الدولة، الأمر الذي استنزف الإخوان المسلمين في معارك جانبية، واستنزف الرئيس مرسي وحكومته في نزاعات وخصومات أكلت من رصيده الشعبي وعرقلت قدرته على العمل أو التغيير.هذه الحالة من العجز أو الشلل الإخواني تعكس حالة "العقم" السياسي لدى هذه الجماعة التي يمكن القول إنها تكلست وأن مفاصلها أصيبت بالخشونة وعدم القدرة على الحركة، لأنها لم تقدم فكرا جديدا وعاشت على الماضي، وتحولت إلى تنظيم ذاتي بهرمية بيروقراطية غير قادر على إنتاج فكر جديد أو نظريات جديدة، ما جعل منها تنظيما مماثلا للتنظيمات الأخرى على الساحة. ولولا الصبغة الدينية والعمل الاجتماعي لكانت الجماعة قد وصلت إلى مصيرها المحتوم قبل عقود، فقد حبست الجماعة نفسها في "شرنقة" العمل التنظيمي غير المثمر، ولم تستطع أن تخرج من هذا الشرنقة، وتحكم بها "قيادات تاريخية" تتماهى في الشكل والمضمون السياسي مع نظام مبارك، ولم تجدد شبابها، ولم تفتح الآفاق لجيل جديد وعصر جديد من الأفكار، والمشكلة أن عددا كبيرا من شباب الإخوان مصابون بأمراض "الشيوخ" الفكرية والسياسة نفسها. هل يمكن القول إن جماعة الإخوان المسلمين قد انتهى "عمرها الافتراضي"؟ يمكن الإجابة بنعم، لقد وصلت إلى نهاية العمر الافتراضي بعد 80 عاما من الحياة، ولا يمكن لها أن تستمر بوضعها الحالي، والحل الوحيد لضمان استمرارية وجودها كتيار إسلامي هو حل الجماعة، والانتقال إلى تشكيل جديد على أسس جديدة، تماما كما حدث في تركيا، عندما اكتشف رجب طيب أردوغان أن الطريق الذي يسير فيه المعلم "نجم الدين أربكان" وصل إلى نهايته، وأنه لا بد من التغيير.المهمة صعبة ودقيقة لكنها ضرورية، وحتى لو رفضت جماعة الإخوان المسلمين الانتقال إلى مرحلة أخرى مغايرة فإنها ستنتهي أيضا على أي حال، ولكن من دون خلق أي بديل.هناك الكثير مما يقال ويكتب حول هذه الحركة الكبيرة والتاريخية، وهناك الكثير من التفاصيل التي ينبغي تسليط الإضاءة عليها، ولكني سأكتفي بهذا القدر، على أمل أن أطور ذلك في دراسة عملية أو كتاب في المستقبل بإذن الله تعالى.