13 سبتمبر 2025

تسجيل

الديناصورات المنقرضة لن تعود

22 يناير 2014

تعيش بلدان الربيع العربي هذه الأيام ذكرى اندلاع أول شرارة وانطلاق أول إشارة لما اصطلح على نعته بالربيع العربي وبخاصة في تونس وطن مبادرة تغيير منكر الاستبداد بفضل استشهاد باقة من شبابها الوطني والمهمش والغاضب بدون قيادات وبدون أجندة أحزاب ونحن في تونس لا نبالغ إذا أعلنا أن تاريخ الرابع عشر من يناير 2011 كان يوم تتويج لكفاح شعب كامل في مقدمته شباب قدم شهداء للوطن ولا يزال بعد سنوات ثلاث ينتظر رؤية غايات ثورته تتحقق وهي التشغيل والكرامة بعد أن تحقق له مطلب الحرية. ورأيت أن احتفل بهذه الذكرى شخصيا بطريقة مبتكرة ولا ينفي هذا أنني كالملايين من العرب أترحم على أرواح الشباب الشهيد وأقف للاعتبار بالأحداث وأشارك بقسطي المتواضع في تقديم النصيحة والسند لمن يخدمون أوطاننا ويحاولون الخروج بها من الأزمات نحو الآفاق الرحبة وطريقتي هي الحديث لأبناء الجيل الشاب من العرب عما عشته بنفسي من مهازل الاستبداد حتى يدرك هذا الشباب أن الذين يحاولون اليوم إقناعه بأن ما حدث في تونس وليبيا ومصر واليمن إنما هو مجرد مؤامرة القوى الأجنبية ضد الأنظمة التي عصفت بها الشعوب وأن الذي جرى من أحداث وما سالت فيه من دماء طاهرة زكية وما انفجر من غضب مشروع لم يكن سوى تنفيذ أجندات أمريكية بل وصهيونية وربما.. خليجية وبأياد محلية لحرمان شعوبنا من أنظمة شرعية عادلة وتعويضها بالفوضى!! إن هذه الحملة الديماغوجية الموزعة الأدوار للتشكيك في التحولات الحضارية الحاصلة يحركها المحرومون من امتيازات منظومات الفساد والذين لم يهضموا بعد اللقمة المرة التي غصوا بها بعد انهيار مؤسسة الاستبداد والقمع فهم يريدون اليوم أن يقنعوا أنفسهم ويقنعونا بأن سقوط الطغاة ما هو إلا برنامج (الكاميرا الخفية) وأن الدماء التي أهدرها القتلة إنما هي ماء ملون بالأحمر ثم إن هذه الحملة السفيهة تستغل خيبة الأمل لدى جماهير الشعب من ضعف أداء الحكومات الجديدة فتنزلق الحملة إلى أصل غايتها وهو التمهيد لاستعادة منظومة الاستبداد والتسويق لعودة إرهاب الدولة موهمين الناس بأنه لا أحد يوفر الأمن ويحل المعضلات سوى المستبد الطاغية الذي خلع نفسه قبل أن يخلعه شعبه! إن هؤلاء أيتام الطغاة يزيفون الواقع وهم الذين يحاولون محو الذاكرة الجماعية لزرع مسار مناقض للحريات والحقوق ويعاد استعباد الشعب بإشرافهم هم ويعاد إرهاب الدولة وإعادة إنتاجه ومحو آثار التحول المبارك في مفهوم الحكم وقيمة المواطنة كأن شيئا لم يكن! من أجل هذا التدليس المفضوح للتاريخ يجب أن نعيد لذاكرة الشعب صور الماضي الاستبدادي الرهيب، ففي تونس استشهد مئات المواطنين تحت التعذيب ولعل وجوه بعض رموزهم لا تزال حية في الوجدان مثل صورة الرائد محمد المنصوري الذي قتله زبانية النظام البائد أمام د.الصحبي العمري ورفاق سجنه ثم داسوا جثمانه الطاهر بأرجلهم القذرة وسلموه إلى ذويه المفجوعين جثة مشوهة، وكذلك عبدالرؤوف العريبي الذي لفظ أنفاسه الأخيرة وهو معلق في ماكينة التعذيب المسماة بالدجاجة المشوية بعد أن أذاقه أعوان الموت ما لا يطيقه بشر بواسطة ماكينة تسمى بالهليكوبتر وبعد أن تداولت عليه سياط (بوكاسا) وهو الاسم المستعار لأحد الزبانية. آلاف من شباب تونس سجنوا عشرين سنة في زنزانات انفرادية وطلقوا زوجاتهم منهم عنوة وتحت التهديد ثم جلبوا لهم زوجاتهم وأخواتهم المحجبات لدهاليز الداخلية واغتصبوهن أو هددوا باغتصابهن لترويع الموقوفين والمعارضين الأحرار. آلاف تشردوا في المنافي وأنا منهم وتشتت عائلاتهم وصودرت بيوتهم ولوحق أشقاؤهم وأقاربهم ومنهم من توفاه الله في المنافي مثل محمد الشابي والشاذلي الأخضر ومنهم من عاد لتونس بعد الثورة معاقا وتوفي في أرض الوطن مثل الشيخ الصديق المناضل صالح كركر ومنهم من دفع الضريبة بعد عودته فقتلوه مثل المناضل الصديق علي السعيدي ومنهم من اعتدى عليه مرتزقة الاستبداد بالسكاكين والهراوات فشوهوا وجوههم في شوارع باريس مثل الصديقين د.أحمد المناعي ود.منذر صفر ومنهم من هتك إعلام العار أعراضهم ولطخوا سمعتهم بالتلفيق والبهتان وهم يعدون بالآلاف على الصحف الصفراء التي أكلت لحمنا حيا على مدى 23 سنة مثلي أنا شخصيا مع ملاحقتي بإنتربول على مدى 10 سنوات كاملة ظللت أثناءها هاربا من مطار إلى مطار مع أولادي خوف إيقافي في كل لحظة إلى آخر المأساة التي وضعت ثورة الشعب لها حدا نهائيا لا رجعة فيه. وإني شخصيا ورغم ما تحملته من محن المنافي والملاحقات لم أقطع شعرة معاوية مع زين العابدين بالنصيحة والكلمة الصادقة حتى جاءت آخر قطيعة معه سنة 2005 حين أصدرت كتابي الناقد له ولنظامه في حضرة السلطان الجائر لا بعد رحيله ثم تكلمت نفس الكلام على الجزيرة سنة 2006 فأكلت الصحف الصفراء لحمي حيا وخيرت المنفى للمرة الثانية ثم قبلت دون تردد تعييني سفيرا للدولة التونسية لدى دولة قطر (ولم أكن سفيرا لابن علي) فخدمت الجالية وأعدت العلاقات بين البلدين وتمكن آلاف التوانسة من الالتحاق بقطر الشقيقة للعمل ولم أندم على مساهمتي المتواضعة في خدمة الدولة ومصالح شعبي لأن الأنظمة زائلة والدولة باقية ولست في مجال استعراض جهودي من أجل تونس وإني اليوم أعجب من استفحال الحملة اللئيمة للتشكيك في الثورة ومكاسبها وهي حملة أصبحت ممنهجة تلاحق كابوسا مستحيلا وهو كابوس لعودة للاستبداد فالتاريخ كما يقول أبو التاريخ هيرودوت مثل النهر له مجراه ويستحيل تحويله أو تعطيل مساره أو إيقاف دفقه المقدس. ولهذا أشبه هذا الرهط من محركي حملة التشكيك والتضليل بمن يريد إعادة الحياة للديناصورات المنقرضة. لو تأملتم في عبر التاريخ السياسي لا في بلاد العرب فقط ولكن في كل أرجاء العالم الواسع لثبت لديكم أن الحكام الفاسدين والظالمين والجائرين لا يغفل الله عنهم بل يمهلهم ويزين الشيطان لهم سيئاتهم حتى إذا أزفت ساعة الحق وانطلقت الصيحة المؤذنة برحيلهم من حناجر الناس مسح الله أثرهم من وجه الأرض ومهما تراكمت أخطاء من عوضوهم على كراسي السلطة فإنهم لن يعودوا أبدا ويتكفل الشعب بفرض إرادته واختيار الأصلح بآلية الانتخابات الحرة الشفافة لمواصلة مسار الحريات والديمقراطية في كنف الهوية.