15 سبتمبر 2025
تسجيلبانطلاق مجمع محمد بن راشد للطاقة الشمسية في الربع الثاني من العام الجاري تكون دولة الإمارات قد حققت أحد أهم التوجهات الرامية إلى وضع الأسس اللازمة للتنمية المستدامة، وذلك إلى جانب أسس أخرى تم وضعها سابقا تمثلت في مدينة مصدر لطاقة المستقبل. ويشكل هذا المشروع الحيوي انطلاقة قوية لإنتاج طاقة نظيفة ومستدامة لتساهم في تنويع ليس مصادر الطاقة البديلة فحسب، وإنما في تنويع مصادر الدخل القومي في دولة الإمارات، إذ إنه سيقام على مساحة 48 كيلومترا مربعا وبتكلفة 12 مليار درهم (3.27 مليار دولار) وهو ما يعني المساهمة في تلبية الطلب المتنامي على الطاقة في دبي وفي دولة الإمارات بشكل عام، وبالأخص الطلب السريع على الطاقة الكهربائية والذي يعتبر واحدا من أعلى معدلات ارتفاع الطلب في العالم. وإلى جانب ذلك أعلنت دبي مؤخرا عن إقامة أكبر منصة لطاقة الرياح في العالم، حيث سيكون لهذه التوجهات في مجال الطاقة انعكاسات اقتصادية وبيئية كبيرة، فمن جهة سيؤدي ذلك إلى تخفيض واردات دبي من الطاقة والتي تعتبر مكلفة حاليا، وذلك إضافة إلى الاعتماد على مصادر طاقة دائمة ونظيفة وبأسعار منخفضة نسبيا، حيث يتوقع أن تنخفض تكلفة إنتاج الطاقة الشمسية بنسبة 67% خلال السنوات الثلاث القادمة، وذلك بعد أن دخلت الصين على مسار إنتاج الخلايا الشمسية بتكلفة منخفضة، مما أثار انزعاج الولايات المتحدة والتي استثمرت مبالغ طائلة في إنتاج وتطوير الخلايا الشمسية. ومن جهة أخرى، فإن مثل هذا التوجه سيؤدي إلى تطوير العديد من المشاريع التنموية، مما سيعزز من مكانة الدولة في إنتاج مصادر الطاقة البديلة، وذلك إلى جانب كونها أحد أهم بلدان العالم المنتجة والمصدرة للنفط. ويبدو أنه من خلال هذه المشاريع سوف تتحول دولة الإمارات إلى مركز عالمي لطاقة المستقبل، خصوصا وأن العالم يزداد اعتمادا على الطاقة المتجددة، حيث أشار الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون في مقالة بصحيفة "نيويورك تايمز " إلى أن " الطاقة تغير شكل الحياة، ولا يمكن حدوث تطور من دون الطاقة، والغرض الأساسي هو تزويد الجميع بالطاقة المستدامة، داعيا الجميع إلى العمل لإنجاز ما لا يمكن لجهة بمفردها أن تنجزه " أما فيما يتعلق بالتوجهات الإماراتية، فقد أوجزتها وكيلة الأمين العام للأمم المتحدة للتنمية بأبوظبي " ريبكا غرينسبان " قائلة " أنتم تساهمون في ثورة الطاقة العالمية بمبادراتكم والتي ستغير تفكيرنا في توليد الطاقة وتوزيعها واستهلاكها، من خلال أنكم تساعدون في خلق البيئة المؤسسية العالمية التي من شأنها تعزيز أشكال الطاقة المتجددة ونشرها بين بلدان العالم " ومن بيت الأفضليات التي تتمتع بها الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، هو ملاءمتها للبيئة وعدم اعتمادها على مواد خام أولية، كما هو الحال مع مصادر الطاقة الرئيسية الأخرى، كالمصادر الهايدروكربونية أو الطاقة النووية. ونظرا لتمتع الدولة ودول مجلس التعاون الخليجي بأجواء مشمسة طوال العام، فإن الجهود في هذا المجال يمكن أن تتعدى تلبية الاحتياجات المحلية من مصادر الطاقة النظيفة لتمتد الاستثمارات في هذا المجال لإقامة مشاريع كبيرة لتصدير الطاقة الشمسية مع حلول 2030 وهو ما سوف يضيف الكثير للاقتصاد المحلي والاقتصاديات الخليجية بشكل عام. وتتيح الظروف الحالية الخاصة بأسعار النفط إمكانية زيادة الاستثمار في مشاريع الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، ففي الوقت الذي ترتفع فيه أسعار النفط لتبقى مرتفعة في الأعوام القادمة وفق معظم التوقعات، فإن تكاليف إنتاج الطاقة الشمسية تسير نحو الانخفاض السريع، مما قد يجعلها في غضون عقد من الزمن رخيصة إذا ما قورنت بكافة أشكال الطاقة، بما فيها لطاقة النووية الرخيصة نسبيا في الوقت الحاضر. ومثلما وجدنا تنسيقا بين دول المجلس في شؤون الطاقة الأخرى، فإن مشروع محمد بن راشد للطاقة الشمسية يمكن أن يشكل أرضية قوية لمشروع خليجي ضخم، ليس لاستيراد التكنولوجيا الخاصة بها وإنتاجها فقط، وإنما لتوطين تقنية إنتاج هذه الطاقة والمساهمة في تخفيض تكاليف إنتاجها وتطويرها لتكون لدول المجلس حصة كبيرة في طاقة المستقبل، مثلما لها حصة كبيرة في إنتاج النفط والغاز في الوقت الحاضر.