28 أكتوبر 2025

تسجيل

متاهة التصنيفات الفكرية

22 يناير 2012

أصبح من المألوف أن يوصف هذا الكاتب أو الأديب أو الناشط الاجتماعي بأحد الأوصاف الفكرية، التي قد يكون بعيدا عنها، وهو تصنيف لا يرجى منه سوى الاتهام المبطن، والكيد الخفي، للنيل من اجتهاد ذلك الكاتب أو الأديب أو الناشط الاجتماعي، وكأن نجاح المثقف في مسعاه تهمة لابد أن يحاسبه عليها المتشددون من غير المنصفين الذين يضعون الأمور في نصابها بعيدا عن التشدد والاتهامات الباطلة، وهذه الاتهامات لا تقوم على أساس فكري ناضج، ولكنها تقوم على الرغبة في الإساءة بسبب الخلاف في الرأي أو الفكر أو المذهب، وكل خلاف مهما بلغ لا ينطوي على أسباب لمثل هذا الكيد إلا عند اولئك المتشددين الذين يحرصون على الصيد في المياه العكرة، والويل كل الويل لمن يخالفهم الرأي، وإلى وقت قريب لم يكن اللجوء لمثل هذه التصنيفات من الأمور التي يمكن الإقدام عليها بسهولة، لأنها ممجوجة ومستنكرة، لكنها الآن أصبحت هي السمة الغالبة في معظم حلقات ومنابر الحوار للهروب من مواجهة الحقيقة، فمن تنقصه الحجة لا يتورع عن وصف الطرف الثاني بأوصاف ومصطلحات لم تتخذ سمة النضوج أو التعريف الواضح، أو المعنى الدقيق، فلا عجب أن نسمع عن فلان أنه ليبرالي أو علماني أو شيوعي أو قومي أو أي وصف آخر، وهو لا يعرف من هذه المذاهب إلا الاسم، وإنما ألصقت به كتهمة لا يرجى من ورائها الخير. هذا النوع من التصنيفات تدل ليس فقط على ضعف حجة من يطلقونها جزافا، ولكنها أيضا تدل على حالة من الانحراف الفكري والعقدي لا يستهان بها، فصاحب الفكر الناضج، والعقيدة الراسخة، لا يجرؤ على وصف غيره بما لا يعرف، وكل ما في الأمر أنه سمعها، فسارع لتبنيها وإلصاقها بمن يختلف معهم في الرأي رغبة للإيقاع بهم في متاهة التصنيفات المضللة التي لا أساس لها، لا من الناحية العقلية ولا من الناحية الإيديولوجية، خاصة إذا عرفنا أن هذه المسميات والتصنيفات الفكرية لا تعني لدى المتشددين سوى الخروج على الدين، والانحراف عن المبادئ السامية، وبهذا المعنى يمكننا ان نصف المارقين والمجرمين بأنهم ليبرالييون أو علمانيون أو غير ذلك، وهذا مما لا يصدقه ولا يقبله العقل. إن رموزا إصلاحية دينية كنا نظنها أكثر يقظة من الوقوع في هذا المطب، قد طالهم هذا التسونامي من موجات الاتهامات الباطلة لغيرهم، فانطلقت خيولهم للسباق في ميدان هذه الاتهامات التي تقود إلى التكفير، مما لا يتناسب مع دورهم الإصلاحي الذي يزعمون أنهم يعملون على تأصيل مفاهيمه وقيمه في نفوس الناشئين، وبذلك يزرعون عدم الثقة في نفوس أولئك الناشئين، ويحشون عقولهم بالشك في القيم الفكرية التي سيحاربونها دون أن يعرفوا معناها، وهذا نوع من التضليل الفكري الذي يقع مرتكبوه في إثم الإساءة للآخرين، خاصة أولئك الشباب الذين هم في طور التأسيس الفكري والثقافي. دور رجال الدين هو الإرشاد إلى الطريق المستقيم، وتوسيع دائرة التمسك بالمبادئ السامية، وقيم الحوار المتكافئ التي لا تستقيم مع التهميش والإقصاء، ودور رجال الفكر المستنير هو الإسهام في إشاعة الوعي بتلك المبادئ، وأي تصادم بين الطرفين هو أشبه بالحرب الخاسرة التي لا تخلف سوى الهزيمة لدى الفريقين، مع أن الإصلاح استحقاق ليس من حق أحد أن يحتكره، لأنه مسؤولية الجميع، إذا كان الهدف هو الإصلاح العام الذي يخدم الكل، وليس الإصلاح الجزئي الذي يخدم فئات دون غيرها. khlilf@hotmail،com