31 أكتوبر 2025

تسجيل

زيارة الرئيس الصيني إلى واشنطن .. حديث الأمن يسبق الاقتصاد

22 يناير 2011

بدأ الرئيس الصيني هو جينتاو في الثامن عشر من يناير الجاري بزيارة مدتها أربعة أيام إلى الولايات المتحدة، والتي تعد أول "زيارة دولة" رسمية يقوم بها، رغم قيامه بالعديد من "زيارات العمل" منذ توليه منصب رئيس الصين قبل ثمانية أعوام.  وتتنوع الموضوعات المطروحة على جدول أعمال الزيارة ما بين السياسة والاقتصاد والأمن. ففي الجانب السياسي سوف يدور حوار بين الرئيسين الصيني والأمريكي حول الأدوار التي تقوم بها بكين في منطقة شرق آسيا وجنوبها، خاصة ما يتعلق بالأزمات القائمة وفي المقدمة منها أزمة كوريا الشمالية التي تصاعدت في الآونة الأخيرة بشكل كبير حتى كادت تتحول إلى حرب إقليمية بعد قيام كوريا الشمالية بقصف إحدى جزر كوريا الجنوبية مما أدى إلى مقتل عدد من الجنود والمواطنين هناك.  كذلك سيدور حديث حول الأزمة الصينية اليابانية التي رغم تراجع حدتها إلا أنها ما زالت مستمرة وتنذر بتصاعدها مرة أخرى في ظل إصرار بكين على تنفيذ طوكيو كل مطالبها. كذلك هناك قضايا حقوق الإنسان في الصين، والتي تستخدمها واشنطن كأداة ضغط على بكين لتحقيق أهداف وغايات أخرى. وفي الجانب الاقتصادي سوف تتركز المحادثات حول قضايا عديدة منها قضية التوازن التجاري الثنائي، حيث يميل ميزان التبادل التجاري بين البلدين بشدة لصالح الصين. وكذلك ما يتعلق باتهامات واشنطن بشأن تلاعب بكين في سعر عملتها الرسمية من أجل ضمان انخفاضها للحفاظ على قوة صادراتها. ثم هناك أيضا القضايا المتعلقة بالبيئة والمناخ والاتهامات الأمريكية للصين بشأن عدم القيام بما هو مطلوب منها بشأن خفض انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون. وبالرغم من أهمية هذه القضايا، لكنها لن تكون المحور الرئيسي لمحادثات الرئيسين الصيني في واشنطن، فهناك القضايا الأمنية التي تعتبر الهدف الأول من هذه الزيارة وربما لهذا السبب ستكون "زيارة دولة" وليست "زيارة عمل" كما كانت سابقاتها.  ذلك أن هناك توترا متصاعدا بين الصين والولايات المتحدة على خلفية التنامي الكبير في القوة العسكرية الصينية بنوعيها التقليدي وغير التقليدي. هذا التنامي الذي يثير خوف واشنطن وقلقها على موقعها كقوة عسكرية أولى في العالم بشكل عام وفي منطقة آسيا بشكل خاص، وما سيترتب على ذلك من آثار سلبية على مصالحها الإستراتيجية في هذه المنطقة من العالم. ولقد أعلنت واشنطن مبكرا عن قلقها هذا على لسان مسؤوليها منذ سنوات، حيث قالت وزيرة الخارجية الأمريكية كوندليزا رايس في عهد إدارة جورج بوش الابن السابقة، إن "هناك بعض القلق بشأن بناء القوة العسكرية الصينية.. إنها تبدو أحياناً كأنها تفوق دور الصين الإقليمي".  كما حذر الجنرال بروس رايت، قائد القوات الأمريكية في اليابان في العام 2007 من تنامي قوة الصين العسكرية مقابل الأمريكية الآخذة في التراجع، جراء الحرب في العراق، التي أثرت بشكل سلبي على جهوزية القوات وترسانة العتاد العسكري الأمريكي. وأشار تقرير رفع إلى الكونجرس في العام 2008 إلى أن إجمالي نفقات الجيش الصيني بلغت في العام 2007 حوالي 139 مليارا، إلا أن عدم شفافية حكومة بكين حالت دون تحديد كيفية إنفاق تلك الأموال. وقال مسؤولو البنتاجون إن بكين خصصت معظم تلك النفقات على "الحرب الإلكترونية"، حيث شهدت أنظمة حواسيب البنتاجون حينها زيادة ملحوظة في عمليات التسلل، مرجحة أن "جيش تحرير الشعب" الصيني يقف وراء محاولات التسلل تلك، والتي تضمنت اختراق أنظمة معلومات غير سرية ونقل معلوماته منها. وجاء تقرير البنتاجون في أعقاب تقرير آخر مماثل أعدته لجنة من الكونجرس، وجد أن الصين بزغت كأعظم تهديد تجسسي فردي على الولايات المتحدة، فيما يصفه البعض بأنها "حرب باردة جديدة" تتهدد الاستثمارات الفكرية للولايات المتحدة وأسرارها العسكرية. وزادت التصريحات الأمريكية القلقة من تنامي القوة العسكرية الصينية مع مجيء إدارة الرئيس باراك أوباما حيث ذكر تقرير للكونجرس في العام 2009 أن الصين تهدف لبناء قوة قادرة على ردع أو منع القوات الأمريكية من استخدام مضيق تايوان في حالة نشوب نزاع مع هذه الجزيرة التي تعتبرها الصين جزءًا منها. وأشار التقرير إلى أن هناك أهدافا إستراتيجية أخرى تشمل "إبعاد النفوذ العسكري الأمريكي من المنطقة"، وهو ما يعني في مرحلة لاحقة تشجيع الولايات المتحدة الأمريكية على الانسحاب من المحيط الهادئ ومتابعة النزاعات البحرية الإقليمية فضلاً عن حماية الممرات البحرية الخاصة بواردات الصين من النفط والمعادن الأخرى. وفي شهر أغسطس من العام 2010 صدر تقرير جديد عن البنتاجون حذر فيه من تنامي القوة العسكرية الصينية، متهما بكين بتطوير ترسانتها الضخمة من الصواريخ والقوات الإستراتيجية النووية وتوسيع أسطولها من الغواصات الهجومية. وقد تزامن هذا التقرير مع توتر العلاقات بين واشنطن وبكين ووقف المحادثات العسكرية بين الدولتين النوويتين لاسيما بعد رفض الصين نتائج التحقيق الدولي في حادثة سفينة حربية لكوريا الجنوبية في بداية العام الماضي والتي اتهمت جارتها الشمالية بإغراقها، ومعارضتها للمناورات البحرية المشتركة بين سول وواشنطن.  وقد ترتب على هذه التوترات رفض بكين لقاء مسؤولين كبار بالبنتاجون بمن فيهم وزير الدفاع روبرت جيتس خلال جولة له في آسيا في يونيو من العام الماضي لكنها عادت واستقبلته مؤخرا في خطوة تهدف لخفض حدة هذا التوتر قبل زيارة الرئيس الصيني المرتقبة. بناءً على هذه التطورات، ستكون للجانب الأمني الأولوية في مناقشات الرئيس الصيني مع نظيره الأمريكي، خاصة في ظل الإصرار الأمريكي على معرفة ما يدور داخل المؤسسة العسكرية الصينية عبر الاقتراح الذي تقدم به وزير الدفاع الأمريكي جيتس في لقائه الأخير بنظيره الصيني، بإنشاء آلية " للحوار الإستراتيجي" بين القوات العسكرية للبلدين، بهدف تجنب الصراعات المحتملة التي قد تنشأ بسبب سوء الفهم المتبادل وانعدام الثقة، وهو ما واجه رفضاً من بكين التي تصر هي الأخرى على استمرار سياسة الغموض بشأن قدراتها العسكرية، مستفيدة من ذلك في حصد مزيد من المكاسب السياسية والأمنية على حساب واشنطن وحلفائها في المنطقة. وهو ما يعني أن التوتر الذي يسود علاقات البلدين سوف يستمر وربما يتفاقم على الأقل في إطاره الإستراتيجي لتحقيق الهدف الصيني النهائي والمتمثل في استنزاف القوة العسكرية الأمريكية تمهيدا لطردها من شرق وجنوب آسيا لتحل محلها وتكون القوة العسكرية الأولى في المنطقة.