13 سبتمبر 2025

تسجيل

الجدل العقيم عن القومية المصرية

21 ديسمبر 2023

شهدت السوشيال ميديا ولا تزال جدلا أراه عقيما عن القومية المصرية، فمن يرددونه يقصدون به فراقا مع العرب أو القومية العربية، ويكررون أننا ولدنا مصريين وعشنا مصريين، ومن يردون عليهم يصدقون أن هذا هو المعني الحقيقي للقومية المصرية وينتقدونهم، وبعضهم يغالي في الرد فيعتبر القومية المصرية اصطلاحا وفد إلينا من الخارج في إطار التفرقة بين المصريين والعرب. حقا هذا الاصطلاح وفد إلينا من الخارج متأثرا بفكرة القومية التي نشأت في أوربا في القرن التاسع عشر ضد أي غزو اجنبي، ومن ثم ظهرت في النصف الثاني من نفس القرن التاسع عشر في مواجهة الحكم العثماني. تأكد ذلك بعد الاحتلال البريطاني وأصبح شعارا لكل حركات المعارضة الوطنية في مواجهة الاحتلال ومنها ثورة 1919. السؤال هو هل غاب العرب عن مصر ذلك الوقت؟ كيف لا يعرف أحد أن مصر كانت ملاذا للعرب، ووفد إليها أعلام من الفنانين والكتاب والأدباء والشعراء ساهموا في النهضة المصرية أكبر المساهمات. مؤسس دار الهلال مثلا عام 1892 كان جورجي زيدان الأديب والمؤرخ اللبناني، ومؤسسا جريدة الأهرام كانا الشقيقين سليم وبشارة تقلا الصحفيين اللبنانيين، وكان ذلك عام 1876. مجلة رائدة مثل المقتطف نشأت في بيروت ثم انتقلت للقاهرة عام 1876 أو بعده بقليل، وانشأها يعقوب صروف وآخر أعدادها كان عام 1952 وكان يرأس تحريرها وديع فلسطين. كانت مجلة بين العلم والفلسفة ونافذة عربية على تطور العلم والفكر في العالم. وكان من كتابها شبلي شميل وأديب اسحق ومعهم مصريون مثل اسماعيل مظهر والقائمة طويلة، وكلهم اسهموا في النهضة تأليفا وترجمة رائعة. أما المسرح الحديث فلقد نشأ في مصر على يد الفنان اللبناني يعقوب صنوع في عصر اسماعيل عام 1876 في الوقت الذي ظهرت في الإسكندرية عروض لسليم ومارون النقاش. عروض أجنبية يترجمونها ومعهم أديب اسحق من الشوام أيضا. وطبعا لن انقلك الى السينما ودور العرب فيها وكيف لاذ الكثيرون بمصر، ومن أبرزهم الاخوان بدر وابراهيم لاما منتجين ومخرجين وطبعا أنور وجدي والقائمة طويلة. عليك أن تنظر إلى أسماء المساهمين في الأفلام القديمة، بل وعليك أن تنظر في اسماء المغنين الذين وفدوا على مصر قبل ثورة يوليو من العالم العربي مثل فريد الأطرش وأسمهان. حدث هذا وكان شعار القومية المصرية شعارا في مواجهة الإنجليز لا مواجهة العرب، وحين بدأ شعار القومية العربية في الوجود بشكل واسع نشأت الجامعة العربية في مصر عام 1945 فمن أين أتى القائلون بأن القومية المصرية هي الطريق لأنها تبعدنا عن العرب، ولماذا يصدق من ينتقدونهم ذلك ويردون عليه. ربما من أثر ما جرى اثناء الفترة الناصرية باعتبار الحروب التي دخلتها مصر ولم تكن في رأيهم تخصنا. والسؤال هل مصر لم تشارك في حرب 1948 ضد قيام اسرائيل قبل ثوة يوليو والناصرية؟ فلسطين هي جزء من المجال الحيوي لمصر في كل العصور والتخلي عنه تراجع وانكماش. لقد أخطأ عبد الناصر حقا في حرب اليمن، ففكرة القومية العربية لا تتحقق بالقوة، والتدخل في شئون دول عربية أخرى خطأ كبير. بل كان من التناقضات في عهد عبد الناصر أنه مع ارتفاع شعار القومية العربية، تم تأميم شركات العرب شأنهم شأن كل الأجانب. لعل الفريقين الآن يعرفان كيف نحن في حاجة إلى اتحاد عربي لا ينفي خصوصية كل بلد. كيف يكون ذلك؟ موضوع كبير لعل أوله أن تخرج الجامعة العربية من نومها.