10 سبتمبر 2025
تسجيلينطوى الاتفاق السياسي الذي وقع عليه الفرقاء الليبيون بمدينة الصخيرات المغربية يوم الخميس الماضي, على رغبة حقيقية في الخروج من دائرة الوجع ,التي تمددت في البلاد على مدى العامين المنصرمين , فكادت أن تبلغ حالة الدولة الفاشلة بعد العديد من الانقسامات , طالت مختلف المستويات الحكومية والبرلمانية والعسكرية والاقتصادية , فضلا عن نزيف الدم الذي أودى بحياة الآلاف من المواطنين , وتدمير للبنى التحتية ,مما عمق من مكابدات البشر ,وأفضى إلى حالة من الفوضى ومهد السبل لتمدد تنظيم داعش, الذي رأى في ليبيا مرتعا سهل المنال ,يوفر بيئة حاضنة لأفكاره ومشروعه الإرهابي القائم على القتل والترويع . إن هذا الاتفاق يعيد الاعتبار لخيار وحدة الدولة الليبية أرضا وشعبا ,واستعادة عافيتها على أسس مغايرة ,تقوم على التعددية والمواطنة من خلال تشكيل حكومة توافق وطني , تحظى بحالة من الرضا العام ,عبر تمثيلها لكافة التوجهات المؤمنة بالديمقراطية منهجا لفترة عامين,تنتهي خلالها من إعادة صياغة دستور حديث وإجراء انتخابات برلمانية لبناء مؤسسات الدولة, بما يضمن تمكينها من امتلاك زمام الأمور ,بمنأى عن منطق الميليشيات التي فرضت معادلتها , منذ سقوط نظام العقيد معمر القذافي ورأت أن دورها في عملية إزاحته ,يمنحها الحق في أن تكون الرقم الأهم في المعادلة السياسية وهو ما يتعارض مع النهج الديمقراطي الصحيح .وعلى الرغم من موجة التفاؤل التي تزامنت وأعقبت التوقيع على الاتفاق الذي يحلو للبعض أن يصفه باتفاق الصخيرات, فإن ثمة هواجس تتصاعد حول إمكانية دخوله حيز التطبيق , وذلك فى ضوء إعلا ن كل من صالح عقيلة رئيس مجلس النواب المنتخب في طبرق, ونوري بوسهمين رئيس المؤتمر الوطني العام المنتهية ولايته في طرابلس, في لقائهما المفاجئ في مالطا منتصف الأسبوع الفائت رفضها للتوقيع على الاتفاق, واعتبارمن يوقع عليه يمثل نفسه ولايمثل المؤسستين البرلمانيتين المتصارعتين ,على أيهما تمثل الشرعية, إلى جانب رفض بعض الميليشيات المسلحة, وذلك من شأنه أن ينطوي على إشكالية حقيقية ,بوسعها عرقلة تطبيق الاتفاق أو على الأقل تطبيقه على نحو غير فعال, باعتبار أن كلا الرجلين يمتلكان صلاحيات واسعة, غير أن ذلك لن يكون له التأثير الذي قد يفضي إلى إفشال الاتفاق والتراجع للخلف استنادا إلى جملة من المعطيات الرئيسية :أولا : ثمة فيض من التأييد للاتفاق في الداخل وبين مختلف الفرقاء ,سواء على المستوى التنفيذي أو البرلماني أو القبلي ,وذلك إدراكا لمدى المخاطر المحيطة بليبيا إذا استمرت حالة الاحتقان والاقتتال والصراع الدموي العنيف في ظل عجز أى طرف على حسم الأمور لصالحه , ما أسهم في ضرورة الانخراط في البديل الآخر ,وهو بديل حضاري وأخلاقي ويتسق مع المصالح العليا للوطن وليس للأشخاص أو التنظيمات أو المناطق ,وفي تقديري لن يكون بمقدور أي قوة أن توقف هذا الفيض ,بعد أن أزهقت كل هذه الأرواح وسفكت كل هذه الدماء ,وباتت ليبيا على المحك, فإما أن تبقى أو تزول,وبالطبع لاأحد يرغب في أن تتلاشى من الوجود .ثانيا : ثمة توافق إقليمي على ضرورة إخراج ليبيا من مستنقع الدم الذي غرقت فيه ,وإذا استمر بإمكانه أن يدفع الإقليم إلى المزيد من حالة عدم الاستقرار التي يكابدها بالفعل منذ سنوات ,واللافت أن مختلف الأطراف التي لها مواقف متباينة , تجاه توصيف الأزمة في ليبيا وتدعم كل منها طرفا بعينه من الأطراف المتصارعة ,شاركت بمستوىات رفيعة المستوى في مراسم التوقيع على اتفاق الصخيرات , ما أعطى رسالة للداخل الليبي أن هذه الأطراف نأت بنفسها عن حالة الاستقطاب ,وباتت مع الدولة الليبية وضرورة عودتها إلى مسارها الصحيح , متعهدة بتقديم كل صنوف الإسناد لحكومة التوافق الوطني حتى تنجح في مهمتها لوضع البلاد في المسار المطلوب.ثالثا : إن قرارا دوليا اتخذ بشأن وقف حالة التدهور في ليبيا ,وهو ما جسده إنعقاد المؤتمر الدولي بشأنها في العاصمة الليبية - روما - قبل أيام قصيرة من التوقيع على الاتفاق بالصخيرات شارك فيه وزراء خارجية الدول الكبرى, إلى جانب الدول الإقليمية المعنية بالأزمة , ما يؤشر إلى أنه لن يكون بمقدور أى طرف داخلي أن يتلاعب بمصير الاتفاق , وإلا سيتعرض للعقاب الدولي ,وهو ما هددت به الأمم المتحدة الراعية الأولى له كلا من صالح وبوسهمين إذا ما عرقلا خطواته تطبيقه على الأرض , والأمر نفسه سينطبق على الفريق خليفة حفتر إذا حاول أن يعوق مساره , غيرأن الأخير أعلن أنه لن يقدم على مثل هذه الخطوة ,فعلى الرغم من تحفظاته على بعض بنود الاتفاق فلن يحول دون تطبيقه . ومع ذلك ستظل هناك بعض الألغام ,التي تكمن في تفسير نصوص الاتفاق ,ما يستدعي شفافية ونزاهة وقراءة صحيحة لمفردات المشهد الليبي ,حتى يمكن القفز عليها وإبطال مفعولها .