15 سبتمبر 2025
تسجيلتكاد العلاقات القطرية التركية تكون الاستثناء الجيد الوحيد في المنطقة العربية وجوارها، لما تتميز به من توافق وحميمية في المواقف إلى درجة التطابق أحيانا، وهي تمثل حالة معاكسة لمجريات الأحداث في الإقليم الغارق في الفوضى، والكراهية والاحتراب والطائفية وفقدان التوازان ، مما يجعل من هذه العلاقات نموذجا يحتذى في منطقتنا الملتهبة حتى الاحتراق.ومن هنا يأتي توقيع اتفاقية إنشاء "المجلس الأعلى للتعاون الإستراتيجي" ليكون أرفع لجنة إستراتيجية بين قطر وتركيا والتي وقعها أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني والرئيس التركي رجب طيب أردوغان في القصر الرئاسي في أنقرة، لتتويج مسيرة سنوات من العمل المشترك، والتشاور والتعاون في مختلف القطاعات، وهي لجنة شامة ستتولى التعاون في مختلف القطاعات مما يشكل خطوة نوعية في العلاقات الحسنة بين البلدين، وإعلانا عن "تنويع الخيارات الإستراتيجية" للدفاع عن المصالح القطرية والعربية والتركية، وتكريسا لمبادئ حسن الجوار والإخوة بين البلدين المسلمين، وتعبيرا عن ازدهار العلاقات بين شقيقين، رغم تفجر المنطقة وانعدام الثقة بين الأنظمة الحاكمة التي تتصارع في السر والعلن.يرى البعض أن توقيع اتفاق "التعاون الإستراتيجي" بين قطر وتركيا يشكل تدشينا لحلف جديد في المنطقة التي تغرق في الأحلاف، وهذا الكلام غير صحيح وتنقصه الدقة والقراءة السليمة للعلاقات البلدين، لأن مقاصد هذه الآراء هي الترويج إلى إقامة "تحالف عسكري" على وجه التحديد، الأمر الذي يحرف قراءة ما يجري عن المسار الصحيح. رغم أن المنطقة تغرق في الأحلاف والتحالفات وجميعها ضد العرب والأمة العربية.لن يكون جرما، من حيث المبدأ، أن يتكون "حلف جديد" في المنطقة التي تتوزع بين الأحلاف التي تناصر إيران والتي تناصر الكيان الإسرائيلي والتي تدعم الأنظمة الانقلابية.. وإذا ما حدث ذلك فسيكون "أمرا طبيعيا" في منطقة تنام وتصحو على الأحلاف، لكن وعلى الرغم من ذلك فإن التعاون الإستراتيجي بين قطر وتركيا، يصنع بناء قويا في التقاء المصالح والرؤى بين البلدين، خاصة الاحتلال الإسرائيلي وما يجري في مصر وسوريا والعراق والمنطقة كلها بشكل عام وتأييد الربيع العربي وحق الشعوب العربية تقرير مصيرها بعيدا عن الديكتاتورية والظلم.. وتأكيدا على استمرار تطور هذه العلاقات نحو الأفضل، اقتصاديا وعلميا وتعليميا قبل أن يكون سياسيا، خاصة وأن البلدين يقودان التنمية الاقتصادية في المنطقة كما قال الرئيس التركي الذي أعلن أن "رؤية تركيا وقطر تتقاطع بشكل كبير حول المسائل الإقليميّة، وأن علاقتهما الثنائية شهدت تطوّراً كبيراً للغاية في السنوات الأخيرة، كما أنها آخذة في الازدياد وأنهما لم يشهدا أية خلافات في وجهات النظر، ووقفا دائماً متضامنين إلى جانب المظلومين في العالم".البعض لم ير من 20 اتفاقية وقعتها البلدان إلا الاتفاق العسكري، وأغمضوا عيونهم عن اتفاقات الغاز والاقتصاد والتجارة وإنشاء الطرق والتجارة والتعليم والثقافة والعلوم والتكنولوجيا والزراعة والاتصالات، وهي اتفاقيات تخدم البلدين والمنطقة كلها، وتتيح للطرفين تنويع خياراتهما الإستراتيجية وعدم وضع "كل البيض في سلة واحدة"، فتركيا دولة مسلمة شقيقة، نتقاسم معها التاريخ والجغرافيا، وهي جارة كبيرة تشكل جزءا لا يتجزأ من منطقتنا.. جارة كبيرة وقوية وفاعلة إقليميا ودوليا، والتعاون معها لا يقود إلى خير العرب والأتراك والمسلمين في الدرجة الأولى.