13 سبتمبر 2025
تسجيلسألني: كيف تترجمين كلمة «كتالوج»، صدمتُ.. كيف لا يأتي إلى ذهني مباشرة رديفها (دليل) بلغتي الأم.. أدركت حينذاك أنها متوضعة في العمق بمفهومها دون مرادفها العربي، كم نحن مجرمون! إنها اللغة التي نغتالها بإهمالنا، إذا أردت أن تقتل شعباً أو أمة، فذوّب لغتهم واستبدلها بأخرى.. أما آليات الاغتيال فعديدة، ليس بالتكريس الأجنبي وحسب وإنما بتنزيل المصطلح الغريب إلى لاوعينا كمفهوم لا يستحضرك بديله إلا بصعوبة إضافة إلى استخدام حروف أجنبية للكتابة العربية وهذا أخطر، ثمّ إلغاء الموسيقى اللغوية - التي تمتاز بها لغتنا - من سماعنا اليومي، والأدهى من تراثنا الشعري، والأخطر من أطفالنا، والحديث يطول. أنا لست من المطالبين بالعودة إلى لغة خشبية ومصطلحات منقرضة، خاصة وإننا لسنا المخترعين لآلات الزمن حتّى نفرض مصطلحنا على الآخر، غير أنني أطالب باجتهاد لتوليد لغتنا وإدخال بعض المصطلحات التي تخص مبتدعيها ومخترعيها، فليس من المفروض أن أستخدم مصطلح الرائي بدل التلفزيون مثلاً، وبالمقابل thanks بدل شكراً وplease بدل من فضلك إلى أن نخترع منتجات ونفرض اسمها اللغوي كما فرضنا علم اللوغاريتم Logarythm نسبة إلى الخوارزمي وAlgebra نسبة إلى علم الجبر عبر التاريخ. أما توليد اللغة فلا يأتي من المفردات التي «تنسقت» عبر الزمن إنما من الُمستَخدم اليومي الذي يفرضه التعامل الآني والحضاري الذي يتماشى مع متطلباتنا العصرية شريطة احترام هذة اللغة التي تجمعنا بالحديث والتعلم والصلاة على الأقل. ولا يأخذنا التطرف إلى المنحى الآخر لنقول ما قاله النحويّ عيسى بن عمر عندما وقع عن حماره واجتمع الناس عليه فصاح بهم: ما لكم تكأكأتم عليّ كتكأكؤكم على ذي جنّة؟! افرنقعوا عني.. نحتاج إلى تجديد في المفردات والمعاني لإنارة وتجديد خطابنا الثقافي المهتريء، فهناك توأم ذهني اسمه اللغة والفكر، أيّ تغيير وتطوير يصيب أحدهما يؤدي إلى الآخر، لكن بالمقابل لنرفع من مستوى التعامل مع لغتنا واحترامها حتى نجدد فكرنا، فالمرابح العالية تأتي من بورصة أحلامنا المرتفعة، والخسائر الفادحة تأتي من تدني أنفسنا في بورصة الأحلام.