15 سبتمبر 2025

تسجيل

علنية جلسات مجلس الشورى

21 نوفمبر 2021

لعل الجدل لا يزال قائماً بشأن بث جلسات مجلس الشورى على التلفزيون وعرض ما يدور في هذه الجلسات من وقائع ومناقشات وغيرها. وقد ناقش الأساتذة القانونيون هذه المسألة وذهبت غالبية الآراء إلى أن عدم بث جلسات مجلس الشورى على التلفزيون لا يشكل مخالفة دستورية. وفي الحقيقة نرى أن هذا الرأي وإن كان موافقاً للنص الدستوري بمعناه الحرفي إلا أنه لا يوافق الغاية والهدف منه. فما هو مفهوم العلنية المنصوص عليها في الدستور؟ وهل تقتضي العلنية أن يتم بث ما يتم تداوله في الجلسات من خلال التلفزيون؟ أم يُكتفى بما تنقله الصحف من أخبار؟ أو بما ينشره المجلس من جداول الاجتماع وبيان بأبرز عناوين ما تم في الجلسة؟ نصت المادة (٩٨) من الدستور على أن "تكون جلسات مجلس الشورى علنية …"، وتعتبر علنية جلسات مجلس الشورى مبدأ دستورياً يمثّل حقاً مقرراً للمواطنين وله عدة أهداف؛ أهمها تحقيق الرقابة الشعبية على أعمال المجلس وبوجه خاص الرقابة على أعضاء المجلس ممثلي الشعب وتوجهاتهم وأدائهم لمهامهم وطريقة حلهم لمشاكل المجتمع، والتأكد من وفائهم بوعودهم التي تضمنتها جداولهم الانتخابية وكانت سبباً في كسب ثقة المواطنين وأصواتهم، كقيامهم بعرض المقترحات التي وعدوا بها المواطنين أو التصويت لصالح بعض القوانين أو ضد غيرها.. إلا أن مبدأ علنية الجلسات لم يتم تنظيم تفاصيله سواء في الدستور أو اللائحة الداخلية السابقة لمجلس الشورى، وكل ما نصت عليه اللائحة أن يتم تحرير محاضر لكل جلسة من جلسات المجلس ويتم التصديق عليها ثم حفظها في سجلات المجلس. وكذلك لم يبين أي من الدستور واللائحة طريقة الوصول إلى هذه المحاضر إذا رغب أحد المواطنين في الاطلاع عليها. وهذه العلنية المقررة دستورياً حتى تؤتي ثمارها يجب أن يتم تطبيقها على أرض الواقع بوسيلة تمكِّن كافة المواطنين من الوصول إلى ما يتداوله المجلس. ومن المسلم به في تفسير النصوص القانونية أنه لا اجتهاد مع صراحة النص، فإذا نص المشرع على قاعدة قانونية بنصوص واضحة فيجب تطبيقها كما هي ولا يجوز الخروج عليها بالتفسير والتأويل، وإذا نص المشرع على قاعدة تقرر مبدأ عاماً فتتمتع الجهة المختصة بتنفيذها بحرية في اتخاذ الوسيلة المناسبة، ولكن ذلك مشروط بأن يحقق التنفيذ الغاية والهدف منها. وإذا كان الدستور قد نص على علنية الجلسات دون تحديد نوع هذه العلنية أو الوسيلة التي يجب اتخاذها لتحقيق العلنية، فإن تطبيقها يجب أن يحقق الغاية والهدف من هذه القاعدة بوسيلة تكفل تحقيق العلنية المقصودة على أرض الواقع. وقد تكون المطالبة بعرض الجلسات على التلفزيون أحد أنجع الطرق لتحقيقها، أو الأخذ بما درجت عليه بعض الدول كتصوير الجلسات وأرشفتها على الموقع الإلكتروني للمجلس، أو إتاحة محاضر الجلسات مكتوبة على الموقع الإلكتروني أو نشرها في الجريدة الرسمية من خلال عدد خاص. أما ما تنشره الصحف ووسائل الإعلام المختلفة من أخبار فإنه لا يرقى لتحقيق هذه العلنية. فالهدف هو اطلاع المواطن على ما يدور في المجلس بصفة مباشرة دون وسيط قد لا ينقل الصورة الكاملة للمواطن وخاصة آراء الأعضاء وتوجهاتهم ومناقشاتهم. والاكتفاء بعرض المجلس لبيان يوضح ما تداولته الجلسات أو عرض جدول الاجتماع لا يحقق الهدف أيضاً لذات الأسباب، وقد يتضح ذلك من خلال عدة تساؤلات: كيف يمارس الناخب رقابته الشعبية على أداء العضو؟ وكيف يعلم أن العضو قد التزم فعلاً بوعوده الانتخابية؟ وكيف يعلم بأنه قام بالتصويت بالموافقة على قانون معين؟ أو التصويت بالرفض لقانون آخر؟ وكيف يقيّم أداء العضو في طريقة حله لمشاكل المجتمع وتعاطيه معها؟ ومن ثم يقرر كفاءة العضو لمنحه صوته الانتخابي في الدورات القادمة من عدمه. وقد يرى البعض أنه يجب عدم عرض الجلسات على التلفزيون لما يتناوله المجلس من مواضيع حساسة يجب ألا تذاع بكامل تفاصيلها. إلا أن هذه الإشكالية قد تداركها الدستور في المادة (٩٨) نفسها التي قررت أن تكون الجلسة علنية في الأصل، وأجاز استثناءً أن تعقد الجلسة سرية بناء على طلب ثلث أعضاء المجلس أو بطلب من مجلس الوزراء، وبذلك يجوز عقد الجلسة سرية إذا كانت هناك بعض المواضيع الحساسة والتي يجب ألا تذاع بتفاصيلها. أما غالبية المواضيع المطروحة فهي تمس المجتمع والمواطن بصفة خاصة وتتصل بالحياة اليومية وهي محل نقاش في المجالس وفي وسائل التواصل الاجتماعي ولا ضير في أن يناقشها المجلس علناً. ولا شك أن المجلس لم تغِب عنه هذه المسألة، ولكنه لا يزال في مرحلة ترتيب أوضاعه، ومن المؤكد أن اللائحة الداخلية الجديدة للمجلس لن تخلو من تنظيم موضوع علنية الجلسات بشكلٍ يحقق هدفها. ماجستير في القانون @Alibinkhalil