31 أكتوبر 2025
تسجيلالأئمة والمؤذنون والخطباء والدعاة، ثلة من الأخيار الصادقين، وهم ورثة الأنبياء والمرسلين في الدعوة إلى الله وتقديم النصح والإرشاد لكل فئات المجتمع من حولهم رجالا ونساء وشبابا وبنات وحتى الصغار يتعلمون منهم الكثير من خصال الخير والصلاح، فهؤلاء لهم فضل كبير في شريعة الإسلام لأن وظيفتهم سامية ورسالتهم عظيمة؛ قال الله تعالى: {ومن أحسن قولاً ممن دعا إلى الله وعمل صالحاً وقال إنني من المسلمين} [ سورة فصلت: 33]. فمنهم الإمام الذي يتقدم صفوف المصلين؛ فيقتدون به في صلاتهم، ويأتمون به في أهم فريضة وعبادة يومية؛ فينظر الناس إلى الإمام على أنه معلم، وهاد، ومرشد، وواعظ، ورمز للاجتماع والوحدة والألفة؛ فهو يجمعهم على طاعة الله تعالى. ومنهم الخطيب والواعظ اللذان تزداد حاجة الناس إليهما في بيان أمور دينهم، وسبل السلامة في عبادتهم وصلاتهم، فحاجة الناس إلى الإمام والخطيب لا تنتهي. ومن عظيم قدرهم دعا النبي - صلى الله عليه وسلم - للإمام بالرشد والصلاح؛ فقال عليه الصلاة والسلام: "الإمام ضامن، والمؤذن مؤتمن، اللهم أرشد الأئمة واغفر للمؤذنين". ووظيفة الخطيب والمؤذن لها أبعاد كثيرة أتناولها معكم فيما يلي: ◄ أولاً: البعد الشرعي: بدأ هذه الوظيفة العظيمة القدر الأنبياء والرسل صلوات الله عليهم، ثم كان بلال رضي الله عنه هو أول مؤذن للرسول صلى الله عليه وسلم، ثم تطورت الإمامة والخطابة على مر العصور حتى أصبحت وظيفة ثابتة يتقاضى أصحابها الرواتب ليتفرغوا للدعوة والوعظ والإرشاد، فهم يتركون جميع الوظائف ويختارون هذه الوظيفة المهمة التي يتصدى لها أهل القرآن، فلأجل هذا الشرف العظيم الذي كرم به الله ورسوله أهل الإمامة والخطابة والدعوة والمؤذنين، تتوارث الأجيال محبتهم وتوقيرهم؛ لذا وجب علينا الاهتمام بمشكلاتهم. ◄ ثانيا: البعد الاجتماعي في حياة الإمام والخطيب والمؤذن: نجد إمام ومؤذن وخطيب المسجد له دور كبير في مجتمعه، فيعد من رواد الحركة الفكرية المعتدلة ذات الاعتقاد الصحيح والعلم النافع -نحسبه كذلك ولا نزكي على الله أحدا- وله مآثره الاجتماعية في المشاركات في الحياة من حولهم، فإمام المسجد هو الجار بأخلاقه الطيبة، وهو المصلح والمرشد الاجتماعي، وهو الذي يوجه الناس بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، ولا يقل دوره عن دور المعلم والأستاذ في وزارة التعليم؛ لذلك وجب علينا الاهتمام بحقوقه. ◄ ثالثا: البعد الاقتصادي في حياة الأئمة والمؤذنون والخطباء والدعاة: عندما يعيش الإمام والمؤذن والخطيب والداعية، في مجتمع يرتفع به مستوى المعيشة، والنفقات غالية جدا، ويتحقق ذلك في مجتمعنا، حيث تعد أسعار المعيشة والتكاليف مرتفعة، وفيما يتعلق بالإمام والمؤذن والخطيب، فإن ولاة الأمر -مشكورين- اهتموا بالأئمة والخطباء وأعفوهم من أشياء كثيرة حتى يتفرغوا لعبادة الله سبحانه وتعالى والدعوة والإرشاد، فيكون دعمهم تحفيزاً لهم على مواصلة هذه الرسالة العظيمة ذات الأهداف السامية. وفي الحقيقة ظلت مكانة الإمام والخطيب مرموقة في المجتمع بشكل خاص وعام منذ القدم وحتى وقت قريب كانوا يتمتعون بحياة مميزة واهتمام بالغ، ولكن في الآونة الأخيرة تغيرت هذه النظرة، وأصبح الأئمة والخطباء في المجتمع يعانون من التهميش والإهمال لحقوقهم الوظيفية من جهة عملهم بالرغم من ارتفاع المستوى المعيشي في مجتمعنا وزيادة الأسعار وبالتالي زيادة أعباء الحياة في ظل هذا التطور السريع لنمط الحياة. ولكن نتفاجأ من جهة عمل الأئمة والخطباء فتقوم باتخاذ قرارات غير موفقة وفيها تضييق مادي ومعنوي على الإمام والخطيب، فأصبح مستوى معيشتهم أقل من مكانتهم بكثير؛ فلذلك لا ننتظر من الإمام أن يكون جل اهتمامه هو التفكير ليلاً ونهاراً في كيفية سد نقص الراتب، ودفع رسوم باصات المدارس لأبنائهم وأسعار الكتب والمستلزمات المدرسية وغيرها من لوازم الحياة المعيشية. فهذه القرارات غير الموفقة من جهة العمل ومن انخفاض رواتبهم مقارنة برواتب وظائف أخرى أبسط بكثير من الإمامة والخطابة، فبدأ الأئمة بطرح مشكلتهم والمناداة بحقوقهم كأي موظف حكومي؛ حتى يتمكنوا من الحياة بعز وكرامة، ويعيشوا عيشة كريمة وسط أسرهم ومحيطهم المجتمعي. وجاءت الآن الرسوم الخاصة بالكهرباء والماء لمنازلهم بعد أن كانوا معفيين منها، جاءت قرارات داخلية من جهة عملهم تلغي ذلك الإعفاء، وكذلك حرمانهم من أبسط الحقوق. كل هذه الشكاوى باح بها أصحابها بعدما صعب عليهم ممارسة حياتهم بشكل يسير كالسابق، فلا ينبغي أن يصل بنا الحال إلى أن يلجأ الإمام والخطيب والمؤذن إلى الشكوى من ضيق الحال وصعوبة الحياة، فمن حق الإمام علينا أن يحيا في رخاء ويعيش عيشة تتناسب مع قدره ومنزلته بين الناس ومكانته العلمية وسنوات خبرته في هذا العمل العظيم. ◄ رابعاً: البعد القانوني: نقدم اقتراحاً بلائحة قانونية تحدد مخصصاتهم ضمن الدرجات الوظيفية الموجودة في الدولة، وتعتمد هذه اللائحة بنص قانوني واضح وصريح يطبقه الجميع، ووجود جهة إدارية مختصة ترعاهم، شأنهم شأن أي موظف في القطاعات الأخرى لهم حقوق وعليهم واجبات، فكل موظفي الوزارات والهيئات والمؤسسات لهم جهات يتظلمون فيها ضد القرارات التعسفية إلاّ الإمام والمؤذن والخطيب. ◄ خامسا: البعد الإنساني في حياة الإمام: إن هذا الإمام له أبناء وبنات يرون مثلهم في شرائح المجتمع وحياتهم الرغيدة كما نرى في دولتنا الحبيبة تدعم المواطنين والمقيمين، فالمواطنون ينعمون بكل خير وكذلك المقيمون، فتنظر أسرة الإمام إلى الذين يعملون في مجالات أخرى في المجتمع، فيرون أبناء الموظفين في الجهات كلها لهم امتيازات مثل المهندس والطبيب والمعلم وغيرهم، إلاّ وظيفة الإمام أوالخطيب لا ينالهم إلا بالقدر البسيط، وكأن الإمام حكم عليه بأنه غير مقبول في جهته التي ترعاه. مع علمنا بأن الكل يقدر الإمام في جميع الجهات وكل فئات المجتمع بداية من كبار السن والأعيان وجميع شرائح المجتمع، والجميع يشيد بالإمام وبدوره العظيم في المجتمع. ◄ رسالة: رسالتي أن نراجع أنفسنا في مثل هذه الفئة المباركة من الأئمة والمؤذنين والخطباء والدعاة، التي لقيت ما لقيت من بعض القرارات الداخلية من الجهة التي ترعاها، ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يبارك جهود الجميع، ونحن على ثقة بأن المسؤولين يدركون أهمية وظيفة هذا الإمام، وأنا أشهد على ذلك. ◄ دعاء: أسأل الله تعالى أن يبارك في بلادنا وولاة أمرنا، ويبارك في جهود المسؤولين، وأن يرفع قدر الأئمة والخطباء الذين يحرصون على صلاح وفلاح مجتمعنا المبارك، ويحثوننا على العبادة، وعلى الصلاة، وعلى ترك البدع، وترك الذنوب والمعاصي، ولهم أثر كبير في صلاح أبنائنا وبناتنا بالتوعية المستمرة لهم، فلهم منا جزيل الشكر والعرفان والتقدير والاحترام. وصلِّ اللهم وسلِّم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين. [email protected]