19 سبتمبر 2025
تسجيلأعلنت لجنة الخمسين المكلفة من قبل سلطة الانقلاب بتعديل دستور 2012، عن اكتمال عملها اليوم الثلاثاء 19 نوفمبر، وذلك تمهيدا لعرضها على الاستفتاء مع بداية العام الجديد. ورغم الأهمية التي يفترض أن تتمتع بها هذه اللجنة لكونها تقوم بإعادة صياغة الدستور الذي يعد القانون الأسمى الذي يحكم كافة شؤون الحياة في المجتمع، إلا أن واقع الأمر غير ذلك. حيث الاهتمام بها، سواء على المستوى الشعبي أو حتى على المستوى السياسي والإعلامي، يكاد يكون محدودا، مقارنة بما كان عليه الحال خلال عمل لجنة إعداد الدستور الأصلي في العام الماضي. فعلى المستوى الشعبي، ليس هناك اهتمام بمتابعة جلسات اللجنة، على قلة عرضها في وسائل الإعلام، بعكس ما كان يحدث مع لجنة وضع الدستور، التي كانت تعرض كل جلساتها على الهواء مباشرة، وكان جزء كبير من الشعب يتابع هذه الجلسات ويتفاعل معها. وهو ما انعكس على الثقافة الدستورية لدى المواطنين العاديين الذين اهتموا بتعلم مصطلحات دستورية جديدة عليهم وفهم معانيها. ويضاف إلى ذلك، الرفض الشعبي الجارف للجنة من الأساس، لأنها جاءت بعد انقلاب عسكري ضد إرادة المواطنين التي اختارت رئيس وبرلمان ووافقت على هذا الدستور التي تسعى تلك اللجنة إلى تعديله وفقا لأهواء قادة الانقلاب ومن يساندهم من القوى العلمانية بما يحقق مصالحهم الخاصة على حساب مصالح الشعب. وعلى المستوى السياسي، لا يوجد اهتمام بعمل اللجنة سوى من قبل القوى السياسية المشتركة فيها والتي لا تعبر عن كافة طوائف المجتمع، وربما يضاف هذا السبب لأسباب الأخرى في تفسير قلة الاهتمام الشعبي بعملها، بعكس اللجنة السابقة التي كانت تمثل أغلبية طوائف الشعب، حينما حصل التيار الإسلامي بكل طوائفه على نصف عدد الأعضاء في حين حصل التيار العلماني على النصف الآخر من عدد الأعضاء. وعلى المستوى الإعلامي يلاحظ الشيء نفسه، خاصة أن اللجنة ترفض عرض كافة جلساتها على وسائل الإعلام، حتى جلسة التصويت جعلتها سرية بدعوى حرية الأعضاء في التصويت دون ضغوط شعبية أو إعلامية، وهو الأمر الذي أفقد اللجنة المبادئ الأساسية للعمل، خاصة مبادئ الشفافية والمصداقية. وتتزايد عزلة اللجنة بشكل كبير بسبب جوهر التعديلات التي قامت بإدخالها والتي تمس قضايا حساسة من قبيل قضايا الهوية وحقوق وحريات المواطنين. فقد وافقت اللجنة على إلغاء المادة المفسرة لمضمون اعتبار الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع، وكذلك إلغاء نص وجوب أخذ رأي هيئة كبار العلماء في المسائل المتصلة بالشريعة الإسلامية، من المادة 4 الخاصة باستقلال الأزهر. ثم اقترابها من الموافقة على ضغوط المسيحيين والكنيسة لوضع كوتة لهم في البرلمان القادم ولمدة عشر سنوات كاملة، بما يعكس تمييزا لصالحهم ترفضه الأغلبية المسلمة، ويتناقض مع الشعارات التي يتم ترديدها ليل نهار عن عدم التفرقة بين عنصري الأمة. وفضلا عن ذلك، قامت اللجنة أيضا بإلغاء مواد كانت تعتبر من أبرز نتائج ثورة يناير، منها إلغاء مادة العزل السياسي لقيادات الحزب الوطني، وإلغاء وضع حد أقصى لعدد أعضاء المحكمة الدستورية العليا، وإلغاء الرقابة السابقة للمحكمة الدستورية العليا على قوانين الانتخابات الرئاسية والبرلمانية والمحلية. وربما يأتي عدم الاهتمام بإعلان اللجنة عن انتهاء عملها ليؤكد معنى التجاهل الشعبي والسياسي والإعلامي لها، في ظل هذا الرفض الجارف للانقلاب الذي لم يتورع عن ارتكاب كافة الجرائم في حق الوطن والمواطنين، وكان يريد من خلال هذه اللجنة تقنين جرائمه حتى لا يحاكم عليها. لكن الشعب الذي صمد طوال هذه الشهور في وجه آلة القتل التي استخدمها الانقلابيون ضده، سيكون قادرا على تقديمهم إلى المحاكمة قريبا بعد أن يُسقط الانقلاب. وعندها لن تكون هناك قيمة لتلك اللجنة ولا لغيرها من الإجراءات التي تلت الانقلاب، لأنها بنيت على باطل.. وكل ما بني على باطل فهو باطل.