12 سبتمبر 2025
تسجيلثمة فرصة أهدرها النظام السوري بعجزه عن التجاوب الحقيقي مع المبادرة العربية أو بالأحرى خطة العمل العربية التي تم إقرارها قبل حوالي الأسبوعين من قبل وزراء الخارجية العرب فضلا عن سعيه الدؤوب إلى تجريدها من جوهرها على نحو يجيرها لخدمة توجهاته الرامية إلى استمرار آلة القتل للشعب والتدمير لبنيته التحتية في العديد من المدن التي صارت رمزا للمثابرة والمكابدة. كان بوسع رموز النظام القبول بهذه الخطة على نحو يكفل انتقالا آمنا للسلطة ويحافظ على وحدة سوريا أرضا وشعبا خاصة أنها طرحت بنودا من شأنها أن تسهم في احتواء الأزمة المتصاعدة منذ أكثر من ثمانية أشهر بيد أنهم من فرط ثقتهم في الذات المتضخمة من الأساس لم تتوافر لديهم الرغبة الحقيقية في التعامل مع مفرداتها رغم الإعلان الرسمي بقبولها والحرص على تطبيقها فمضوا في غيهم سادرين نحو المناورة والالتفاف على بنودها وهو ما يعني عمليا إجهاضها. أظن أنه كان بمقدور القيادة السورية على الأقل أن تطرح جدولا زمنيا لتطبيق بنود الخطة العربية خاصة فيما يتعلق ببدء الحوار الوطني مع قوى المعارضة والإسراع بسحب الآليات العسكرية من المدن والأحياء التي انتهكت حرماتها وإطلاق سراح آلاف المعتقلين والاستجابة السريعة لنفر من المراقبين لمتابعة تنفيذ هذه الخطوات وذلك كان يمكن أن يشكل مدخلا لتغيير حقيقي ينهض على مرتكزات سلمية من خلال فتح الباب أمام إجراء انتخابات برلمانية ثم رئاسية بعد مرحلة انتقالية تدار بحكومة مؤقتة من كافة التيارات السياسية بدلا من أن تتجه الأمور قسرا إلى إعادة إنتاج الأسلوب الليبي الذي انتهى إلى مقتل القذافي بطريقة عكست حالة الكراهية والرغبة في الانتقام من تراكم ممارساته القمعية رغم اختلاف ملابسات الحالة السورية. إن الرئيس بشار الأسد أبدى قدرا من الذكاء في بداية توليه السلطة وفق نظرية التوريث والتي فرضت عبر منطق العصا والجزرة من قبل والده الرئيس الراحل حافظ الأسد عندما أعلن أنه بصدد الدخول في العصر الديمقراطي والتغيير ومحاربة الفساد ولكنه سرعان ما استجاب لضغوط أركان الأسرة والنظام الذي صنعه والده على جماجم السوريين فأخفق في تحقيق تحولات نوعية على صعيد بناء نسق مغاير في العلاقة مع الشعب واحترام حقوق الإنسان والانتصار للحرية والعدالة والكرامة ولم يستجب مطلقا لنداءات من الداخل والخارج كانت تحثه على قيادة تحولات حقيقية في سوريا وتجلت رغبته في القطيعة مع هذه التحولات بعد أن تفجرت ثورة الشعب السوري والتي لم يلامس مطالبها بل بدا وكأنه لا يستمع إلى صرخات الحرية والكرامة التي خرج يعبر عنها هذا الشعب بكل أطيافه وسعت آلته الإعلامية إلى إعادة إنتاج خطاب المؤامرة الخارجية الصهيونية والإمبريالية. كان بإمكانه أن يتجاوب مع هذه الصرخات والتأوهات التي طلعت من قلوب ووجدانات وعذابات الناس التي انتظرت أن يقودها بشار إلى زمن مغاير. غير أنه التفت عنها وصادرها وبعث بعسسه وبصاصيه ليقتلوا الناس في مدنهم وقراهم وليس ثمة ما يمنع من فقء عين شاعر أو سحب حنجرة مغن أو قطع يد رسام أو تغييب ناشط إلى الأبد عن ذويه. ولحظة أن جاء الخلاص إلى بشار ورموز حكمه على يد الأشقاء العرب الذين تجاوبوا مع صيحات أبناء سوريا التي كانت تتساءل دوما: أين العرب لم يستوعب الرسالة وبدا لي الأسد أشبه بأرنب تتجه بمحض إرادتها إلى فوهة بندقية الصياد المرابض بالغابة انتظارا للحظة المواتية. وما أقصده بالصياد هنا هو عامل التدخل الدولي أو التدخل الإقليمي أو الانقلاب العسكري فمع تفاقم الأمور في سوريا من جراء تواصل عمليات القتل والذبح ضد الشعب ومع عجز النظام الإقليمي العربي عن القيام بخطوات حقيقية للضغط على نظام بشار فإن الخيار الدولي قد يصبح متاحا عبر مجلس الأمن الدولى وقد لا يترك لمؤيديه في موسكو وبكين المجال للاستمرار في الدفاع عنه وحمايته وفي الآن ذاته فإن تركيا قد تفتح الباب أمام الجيش الحر المنشق عن الجيش الرسمي لتشكيل منطقة عازلة على الحدود مع البلدين يتخذ منها نقطة انطلاق لهجمات يوجهها نحو أهداف حيوية في النظام مثلما حدث يوم الأربعاء الماضي عندما هاجمت جماعات تنتمي للجيش الحر تجمعا للمخابرات في دمشق في تطور نوعي لهجمات هذا الجيش أو قد يشعر بعض الضباط الكبار بوخز من الضمير بعد كل هذه الدماء التي تسبب فيها استخدام الجيش في مهمة حماية النظام بدلا من قيامه بمهمته الحقيقية في تحرير الجولان المحتلة منذ ما يقرب من ثلاثة وأربعين عاما فيسارعون إلى حسم الأمر من خلال انقلاب عسكري ينهي حكم بشار للأبد بل وقد يحاكمونه مع رموزه. وكل هذه الاحتمالات تشكل على نحو أو آخر مخاطر جمة على سوريا لا نحبذ أحدا منها ومن ثم فإن الخيار الأمثل يكمن في الإسراع إلى التجاوب مع الخطة العربية ولكن هل فات أوان ذلك؟ لا أظن رغم أن الفترات الزمنية التي حددها وزراء الخارجية العرب لاستجابة دمشق لمحددات هذه الخطة أوشكت على النفاد إن لم تكن قد نفدت بالفعل فثمة مرونة يتسم بها النظام العربي فهو يتعامل في هذه الحالة مع دولة وشعب عربي ومن ثم فإن النظام مطالب بالإسراع في القبول بآلية حماية المدنيين السورية التي قررت الجامعة العربية إرسالها لمراقبة الأوضاع ميدانيا وعلى الأرض والالتزام بكل الضمانات التي طلبتها الجامعة العربية لحماية العناصر التي تتكون منها هذه الآلية والذين يقدر عددهم بنحو 500 شخص من ممثلي منظمات المجتمع المدني والعسكريين والإعلاميين. إن النظام الإقليمي العربي يبدي حرصا حتى الآن على ممارسة الضغوط السياسية والدبلوماسية ضد النظام السوري من قبيل تعليق مشاركة وفوده في اجتماعات الجامعة العربية ومؤسساتها وسحب السفراء من دمشق فضلا عن حزمة من الإجراءات العقابية على الصعيد الاقتصادي والاستثماري لكن صبره قد ينفد مع ضغوط الشارع السوري سواء في دمشق أو في القاهرة حيث يحاصر المعتصمون مقر الجامعة العربية ولا تتوقف هتافاتهم المطالبة بالتدخل لحماية المدنيين لحظة واحدة. وفي هذه الحالة فإن النظام في دمشق سيكون وحده مسؤولا عن التداعيات الخطيرة والتي ستنتهي حتما بسقوطه بطريقة غير سلمية فهل يفتح بشار عينيه ويدقق في المعطيات المحيطة به وأهمها أن الشعب تخلى عنه وأن من يزعمون أنه يناصرونه فهم لا يفعلون ذلك إلا تحت وطأة عسسه وبصاصيه الذين يحكمون البلاد بالحديد والنار السطر الأخير: أخذتني ريحك إلى بلاد مغزولة بالياقوت والمرجان مدنها لؤلؤ قراها استبرق حدائقها سندس فتان سكنتني براءتها ارتميت بدفئها المعهود عانقت حنطتها اكتتب بأسهم عينيها فخاصمني الخسران [email protected]