27 سبتمبر 2025
تسجيلانعقد في بيجين خلال الأسبوع الماضي المؤتمر العشرون للحزب الشيوعي الحاكم في الصين الشعبية منذ سبعين عاما وجدد المؤتمرون ثقتهم في الرئيس شي جين بينغ. ولفتت اهتمامي شخصيا الفقرة التي خصصها الرئيس الصيني لطريق الحرير وهو الاسم المعروف لمخطط حضاري واقتصادي وثقافي عالمي ابتكرته الحكمة الصينية منذ اكتشاف الحرير في الصين 3000 سنة قبل ميلاد المسيح لكن مصطلح (طريق الحرير) ابتكره عالم جغرافيا ألماني في القرن التاسع عشر. ورد ذكر طريق الحرير في خطاب الرئيس الصيني ليؤكد عزم الصين السلمي على تغيير النظام العالمي من أحادي القطبية إلى متعدد الأقطاب. والإشارة الى طريق الحرير أسعدتني شخصيا هذا الأسبوع لأنها تؤكد أنني لم أخطئ الاختيار منذ أربعة عقود حين انخرطت في مشروع تغيير منكر النظام العالمي الأطلسي الجائر بنظام دولي عادل يؤسس على التعاون وتشريك الأمم جميعا في التنمية وإقرار السلام الدائم القائم على ربط البلدان والقارات بشبكات السكك الحديدية والجسور والأنفاق وتيسير انتقال البشر والبضائع والأفكار برا و بحرا و جوا. الغريب في تاريخنا التونسي القريب أن صديقي محمد مزالي حين تولى رئاسة الحكومة سنة 1980 عمل في هذا الاتجاه السليم والتزمنا معه هذا النهج القويم فأسس التعليم على قاعدة التعريب ثم فتح باب التعاون جنوب جنوب فعقدنا اتفاقيات مع الصين وتركيا وبلدان افريقيا وأنشأنا مصارف وشركات مع دول الخليج وعززنا التبادل والتكامل بين تونس والجزائر والمغرب وليبيا وهو خيار سياسي وحضاري يتناقض مع نمط الرئيس بورقيبة القائم فقط وحصريا على الارتباط بالغرب كعقيدة موالية لا كمصلحة وطنية ثم نالنا اضطهاد المستفيدين من إلحاق تونس بالغرب فتحملنا صابرين ملاحقات أنتربول و 15 سنة منافي وشتات عيالنا ومصادرة بيوتنا. هذه الأحداث الجديدة التي تبعث الأمل في نفسي هي مشاركة المعهد العالمي (شيلر) في لقاء (بيجين) الأسبوع الماضي بدعوة من الرئيس الصيني شي جين بينج حول تفعيل طريق الحرير بمشاركة عديد رجال الدولة من مختلف القارات لتدشين عصر جديد لا تحكمه لوبيات المال والحرب الأطلسية المتنفذة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية في مفاصل الاقتصاد العالمي الى اليوم بحرب روسيا و أوكرانيا. شخصيا ساهمت في كل مؤتمرات وندوات هذا المعهد منذ مطلع الثمانينيات حين كنت ممسكا ببعض خيوط السلطة في وطني وناضلت صلب معهد (شيلر) وهو مركز عالمي للتفكير (ثنك تانك) وشاركت في ندواته العلمية والسياسية في واشنطن وباريس وروما ودسلدورف وعديد المدن وكنت أنا مع الصديق المثقف العراقي السويدي حسين العسكري العربيين الوحيدين الملتزمين بتلك المبادئ والقيم إلى اليوم واليوم أشعر بالسعادة والفخر أمام انتصار أفكارنا. وأهداني زميلي حسين العسكري كتابه الجديد الصادر عن مؤسسة (اكزيكيتيف أنتليجنس ريفيو) بعنوان (من طريق الحرير الجديد الى الجسر البري العالمي) وهو الكتاب الضخم الذي يقدم تفاصيل وغايات النظام العالمي البديل بالخرائط الدقيقة والأرقام الثابتة والمشاريع الواضحة والالتزامات الدولية حتى يستوعب القراء حقيقة تحويل الحلم الذي راودنا بداية الثمانينات الى برنامج عملي قابل للتنفيذ برنامج عملاق لكنه ممكن أن يتجاوز الحدود والأيديولوجيات والصراعات السياسية وبقايا النوازع العرقية والطائفية ليشمل كل البشر بواسطة شبكة عالمية من التضامن الفعال عبر وسائل الاتصال العابرة للقارات. في هذا الكتاب الذي أهدى ناشره منه مئات النسخ للدول عبر سفاراتها يقرأ الجمهور كيفية إقرار الأمن والسلام بين الأمم بأدوات التعاون الدولي وبخاصة في إقليمنا العربي الإسلامي حيث يشرح حسين العسكري في الفصل السادس مشاريع الخطوط الاتصالية بين الشعوب تلك الخطوط التي كانت موجودة وألغاها النظام العالمي الأطلسي الجائر من أجل الدخول في الحرب الباردة وتهديد العالم بالحرب النووية الثالثة المعلنة. وهي خط برلين بغداد اسطنبول (ترانزوروب اكسبريس) وطريق الحجاز عبر عواصم الشرق الأوسط والخليج العربي وخط الشرق السريع الذي يربط بين الشرق الأوسط ودول المغرب العربي ودرب زبيدة وهو طريق الحج من الكوفة الى مكة المكرمة والخط الواصل بين بغداد والنجف وحائل والمدينة المنورة الى مكة وجدة وخط النيل الرابط بين مصر والسودان والبلدان الإفريقية عبر منطقة البحيرات الكبرى ثم خط المغرب العربي الذي يشكل حزاما إقليميا بين الاسكندرية وطرابلس وصفاقس وتونس ثم الجزائر وفاس. أعتقد أن هذا النظام العادل البديل يقوم على علاقات دولية مختلفة انخرطت فيها الصين (وهي المؤسسة) وروسيا والهند والبرازيل وألمانيا واللافت للنظر هو أن هذه القيم هي نفسها التي حركت منذ سنوات زعماء مسلمين كبارا اجتمعوا على توحيد مواقف الأمة الإسلامية حول مشروع حضاري عظيم يعيد للأمة منزلتها العليا ويحفظ مصالحها ومن بين هؤلاء القادة مهاتير محمد ورجب طيب أردوغان وعمران خان وأمير قطر حفظهم الله وحقق آمال الأمة على أيديهم.