17 سبتمبر 2025
تسجيلعلى مدى الخمسين عاما الماضية احتلت البلدان المتقدمة صناعيا المراكز الأولى في المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية التي تنشر من خلال تقارير المنظمات الدولية، في حين جاءت البلدان النامية في المراكز الأخيرة، وذلك بحكم التفاوت التنموي الكبير بين المجموعتين. ويبدو أن هذه الصورة التي استمرت منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية وحتى نهاية القرن الماضي في طريقها للتغيير، وذلك نتيجة طبيعية للتغيرات الهائلة التي شهدها الاقتصاد العالمي في العقود الماضية والتقدم الذي حققته العديد من البلدان النامية، وبالأخص الصاعدة منها، كدول مجلس التعاون الخليجي والتي أخذت تحتل مراكز متقدمة، بل وتتفوق على البلدان الأوروبية والأمريكية والآسيوية في بعض المؤشرات التنموية. وكمثال بارز على هذه التغيرات وهذا التقدم اللافت للنظر تبوؤ دول المجلس للمراكز الأولى عربيا في تقارير التنمية البشرية والتي جاءت فيها أربع من دول المجلس ضمن المراكز الأربعين الأولى عالميا، كما احتلت مراكز متقدمة في العديد من التقارير الخاصة بالتنافسية وكفاءة السياسات المالية. ويحمل هذا التطور الكثير من المعاني التي تشير إلى مدى التقدم الاقتصادي والاجتماعي الذي حققته دول المجلس في العديد من المجالات وفي فترة زمنية قصيرة نسبيا، علما بأن مثل هذه التقارير تتمتع بمصداقية كبيرة لكونها صادرة عن منظمات دولية متخصصة ومحايدة وتمتلك خبرات أكاديمية وعلمية مميزة. وبالإشارة إلى كفاءة السياسات المالية يمكن التنويه إلى كفاءة الموازنات الحكومية وتوجيه الموارد والتغيرات الهيكلية التي طالت عملية إعداد الموازنات في السنوات القليلة الماضية، وكذلك كفاءة إدارة الفوائض المالية وتسخيرها لخدمة التنمية، مما لاقى تقديرا دوليا وأدى إلى زيادة عائدات الاستثمارات المحلية والخارجية. لقد أتاح ذلك نمو الناتج المحلي الإجمالي لدول المجلس ليصل إلى 1500 مليار دولار تقريبا وفق توقعات نهاية العام الجاري 2012 في الوقت الذي أمكن فيه الحد من معدلات التضخم المرتفعة التي صاحبت الاقتصادات الخليجية في السنوات الماضية لتستقر هذه المعدلات عند مستويات مقبولة تتمحور حول 2- 2.5% في العام الحالي. وإلى جانب ذلك حققت دول المجلس، قفزات متتالية في مجال التعليم والصحة وخدمات الإسكان والتجارة الخارجية والمواصلات والاتصالات وفي مجال تطوير منظومة التشريعات والقوانين، بما فيها التشريعات الخليجية المشتركة التي أتاحت دعم النمو وتعزيز ثقة المستثمرين وتنمية القطاعات غير النفطية وتوفير بيئة مناسبة لعمل القطاع الخاص. ومع تعدد المؤشرات الاقتصادية التي تتضح من خلالها التحسن الذي أحرزته دول المجلس في العديد من المجالات يتضح مدى انعكاس هذا التقدم على مؤشرات أخرى مهمة، كارتفاع حصة الفرد من الدخل القومي ونمو التجارة الخارجية واستقطاب المزيد من الاستثمارات الأجنبية وإحداث المزيد من التنوع الاقتصادي. لقد أسهمت هذه التطورات وهذا النمو المتسارع في تحويل دولة المجلس إلى دولة حديثة ومتقدمة وقادرة على المنافسة في شتى المجالات، بما فيها المنافسة في استقطاب القوى العاملة المؤهلة، حيث تحتل دول المجلس في الوقت الحاضر مراكز متقدمة عالميا في استقطاب المواهب في شتى المجالات، وذلك بفضل قدراتها التنافسية ومستوى المعيشة المرتفع الذي توفره للعاملين في كافة التخصصات، بما فيها بعض التخصصات المهنية التي تتنافس بلدان العالم المتقدم على اجتذابها بتقديم التسهيلات والحوافز المتعددة. وتتناسب مجمل هذه التغيرات في دول المجلس مع التطورات الجارية في العلاقات الاقتصادية والإستراتيجية الدولية في مرحلة العولمة والمنافسة وانفتاح الأسواق، مما يؤهلها لتحتل مركزا متقدما في العلاقات الدولية الجديدة، لكونها دول سريعة النمو وتمتلك بالإضافة إلى القدرات التنافسية موقعا مهما في صناعة الطاقة العالمية، باعتبارها أكبر منتج ومصدر للنفط والغاز في العالم، مما سيؤدي إلى تحقيق المزيد من الارتفاع في معدلات النمو وتحسين مستويات المعيشة في السنوات القادمة.