14 سبتمبر 2025

تسجيل

سر أخيل الضائع..

21 سبتمبر 2023

كيف لم تدرك أم أخيل وهي تضعه في نهر الخلود ممسكة إياه من قدميه، أنه لن يطولهما الماء، فصار لكل منا نقطة ضعف قاتلة، رغم أن ذلك كان من أسهل ما يمكن إدراكه؟ سؤال اسأله لنفسي دائما حين أرى كثيرا مما حولي. بل وكنت اسأله لنفسي وقد عاصرت هزيمة 1967 شابا صغيرا، ثم ما جرى مع رؤساء مصر بعدها ونهاياتهم. لم أجد تفسيرا بسذاجة «ثيتس» أم أخيل، التي عرفت بنبوءة موته في معركة، فقامت بتغطيسه طفلا في نهر « ستيكس «، وهو نهر الخلود في الأساطير الإغريقية، ولم تدرك أنها وهي تمسكه من عقبيه أو كعبيه، منعت ماء الخلود من الوصول إليهما، فصار « كعب أخيل « هو نقطة ضعفه. وجدت التفسير المقنع لي حتى الآن أن هذه إرادة الأقدار، ولا خروج عليها مهما بدا من قوة وجبروت الإنسان. القدر لا يهمل الخطايا والخطائين، بل هم يستدعون النهاية بأخطائهم، وهم يتصورون أنهم أحرار في قراراتهم. حتى الإنسان العادي قد يكون قويا في حياته وعلى من حوله، لكننا لا نعرف نهايات كل الناس ولماذا وكيف. مع توفر السوشيال ميديا نقرأ عليها أخبار الراحلين، ولا نشغل أنفسنا بسبب الرحيل، أو نحضر جنازة من نعرفهم والعزاء في المسجد، ونطلب من الله الرحمة لهم والجنة. فقط هم الكبار من القيادات الذين نعرف من الأخبار أسباب رحيلهم. أسطورة أخيل لم تأت من فراغ، فالحكمة وراءها تظل خالدة. لكل إنسان نقطة ضعف لا يدركها لكن عليه أن يؤمن بذلك، ولا يتصور قط أنه عابر للزمن. أخيل مات خارج سور طروادة وهم يهاجمون المدينة، بسهم أطلقه باريس ابن ملك طروادة من فوق السور، وبالطبع لم يكن يقصد أن يصل السهم إلى كعب أخيل، لكنها الأقدار تصنع الأسطورة لتكون عبرة وعظة. المدهش أن أخيل تردد أكثر من مرة في خوض الحرب، وحين وافق كانت نهايته. بالطبع كان يعرف ما فعلته به أمه ويعتقد أنه خالد إلى الأبد. أتذكر الأسطورة دائما وأنا أنظر في أحوال كل ديكتاتور، قتل من شعبه الآلاف، وسجن منهم الآلاف، وضيق طريق الحياة عليهم بلا سبب، غير أن تفكيره هو الوحيد الصحيح، وعلى رجال دولته الاستماع إليه وتنفيذ مايقول، دون ترك أيّ مساحة للاختلاف في الفكر أو العمل. ورفع شعارات هي في الأصل عظيمة مثل الوطن، لكن تكتشف أن الوطن الذي يتحدثون عنه، هو الذي تعيش فيه تتلفت حولك خوفا من القبض عليك، أو اتهامك بأي شيء، وتضع يدك على جيوبك في كل لحظة، خوفا أن تكون هناك يد امتدت وأخذت ما فيها من نقود مهما كانت قليلة. الفهم الحقيقي للوطن هو الأرض التي يعيش عليها الجميع، وتكون فيها السلطة خادمة للشعب فهي زائلة والشعب باق، وليس هذا في حاجة إلى دليل، لأنك ببساطة تستطيع أن تعرف عدد الحكومات والحكام الذين مروا على مصر عبر التاريخ، ولم تذهب مصر إلى العدم الذي ذهبوا هم إليه. هي حكمة الله ماذا نفعل فيها. تبقى الشعوب ويذهب الحكام. الشعوب قادرة على إعادة بناء ما فسد أو تحطم في الحروب، وكم من دول خرجت من عثرتها بعد الحروب الطاحنة، لكن تظل المشكلة هي تتالي الديكتاتوريات دون إدراك لما سبق من نهايات لأخيل. حقا يدفع المواطن العادي الثمن لخطايا الديكتاتور، ويرى القانون يحكمه هو فقط ولا حيلة له، ويندهش أن القانون لا يحكم الديكتاتور، لكن في سماء الأقدار تظل العبرة من كعب أخيل قائمة.