12 سبتمبر 2025
تسجيلالإعلان يبدأ بفكرة وينتهي بسلوك، وتتحدّد هوية المنتج وقيمته من خلال ربطه بالقيم الاجتماعية والثقافة المحلية للجمهور المستهدف، حيث تلعب هذه العوامل دوراً حاسماً في تشكيل الأذواق وأنماط الاستهلاك ومدى تأثير الرسائل الترويجية، فكلما كان الإعلان أكثر مرونةً وتكيفاً وتسامحاً ازداد تأثيره وانتشاره. من هنا تبرز أهمية الإلمام بالثقافات المختلفة والانفتاح على الطرف الآخر وتعزيز الوعي الاجتماعي حيال نوع الارتباطات الذهنية التي يستحضرها الإعلان والمنتج، وحتى يلقى الإعلان صدى إيجابياً؛ ينبغي مراعاة المعايير السائدة في المجتمع فيما يتعلق مثلاً بطريقة اللبس، والتعبير عن المشاعر، وما إلى ذلك، مع الأخذ في الحسبان جميعَ العناصر التي تحمل رمزيةً ودلالات تختلف وتتنوع بتنوع ثقافة كل بلد، ومن بينها الألوان واللغة وحتى معايير الجمال. إن الجهل بثقافة مجتمعٍ معين لا يؤدي فقط إلى فشل الحملة الإعلانية، وإنما قد يتسبب باستفزاز الجمهور وتوليد مشاعر سلبية لديه تجاه المنتج. مؤخراً، أثار إعلان لإحدى الجامعات في قطر جدلاً واسعاً لدى رواد مواقع التواصل الاجتماعي بسبب اعتماده على مفردات وصورة أثارت حفيظتهم؛ كان الإعلان موجهاً لطلبة الجامعة لحضور فعالية "المواعدة السريعة" للتحدث باللغة الفرنسية، الأمر الذي اضطر الجامعة إلى الاعتذار والتوضيح –في منشور على حسابها الرسمي بموقع (إكس)- أنّ الفعالية تهدف لإتاحة الفرصة للطلاب للتحدث باللغة الفرنسية مع أقرانهم لمدة زمنية قصيرة قبل أن ينتقل الطالب للحوار مع الطالب المجاور. وحذفت الجامعة إعلان الفعالية، قائلةً: نأسف لما سببته الدعوة من إزعاج للمجتمع والتي لم يقصد بها إطلاقاً عدم احترام القيم والتقاليد المجتمعية لدولة قطر. إن الثقافة تعد محدداً رئيسياً لسلوك المتلقي ، ويرتبط التعامل مع الجمهور المستهدف ارتباطاً وثيقاً بمدى فهم ثقافته ، كما أن نجاح الاستراتيجية الإعلانية يعتمد على التكيف مع المناسبات الثقافية والمواسم السنوية التي يحتفي بها المجتمع المحلي، فعلى سبيل المثال، نرى العديد من العلامات التجارية تستلهم إعلاناتها وعروضها الترويجية خلال شهر رمضان من القيم والعادات المتأصلة في الثقافة المجتمعية المرتبطة بهذا الشهر الكريم، ومن بينها الإحسان، وتعزيز الترابط الأسري، وتبادل الهدايا والطعام. بل وأبعد من ذلك؛ يمكن جعل المناسبات الاجتماعية والثقافية مدخلاً لابتكار منتجات جديدة تلبي احتياجات ورغبات العملاء. ومن الأمثلة التي يتجلى فيها التأثير الإيجابي لمرونة الحملات التسويقية واحترامها لقيم المجتمعات، تجربة نجاح بعض شركات الوجبات السريعة في بناء علاقة وثيقة جدًا مع أفراد المجتمعات المتنوعة التي تعمل فيها، حيث تمكنت تلك الشركات من دخول أسواق البلدان التي تضم أغلبيةً مسلمةً من خلال الأطعمة الحلال، والسوق الهندي بقائمة وجبات تعتمد على الخضروات والسمك والدجاج. إن المرونة التسويقية والاحتفاء بأنواع الجمهور ذي الخلفيات المختلفة تساعد في إزالة الحواجز التي تحول دون النجاح، وتساهم في خلق شعورٍ بالانتماء لدى الجمهور المستهدف. ومع استخدام مواقع التواصل الاجتماعي واتساع رقعة انتشار الإعلان بشكلٍ ملحوظٍ في السنوات الأخيرة تتجه الكثير من الشركات إلى الاعتماد على التنوع والشمولية والقيم الإنسانية المشتركة، وهذا بحد ذاته إثراء للمعرفة والتراث الحضاري، حيث لا يمكن إنكار التأثير التبادلي بين الإعلان وثقافة المجتمعات، فالمعاني التي يتم استنتاجها من الإعلانات تترسخ في ذاكرة الأفراد وتعكس كيفية تواصلهم، بل قد تستقر أخيراً في هويتهم الثقافية لأن طبيعة الثقافات ديناميكية وهي في تطورٍ مستمر. ونجاح الرسالة الإعلانية يكمن في إيجاد التوازن بين الربح المادي والهدف الإنساني.