11 سبتمبر 2025
تسجيلالعواطف سلعةٌ ثمينةٌ في عالم التسويق، وتعتمد أبرز الحملات الإعلانية الناجحة على الجانب النفسي ودراسة الاحتياجات الإنسانية منطلقاً ومحرّكاً يعطي المنتجَ قيمةً مضافةً ويميّزه عن البدائل المنافسة، حيث تتمحور تلك الإعلانات حول إثارة عواطف محددة مثل الشعور بالانتماء والثقة والنجاح وحتى الخوف. ويكون اختيار العاطفة التي يخاطبها الإعلان مبنياً على تحديد الأهداف التي يسعى المنتج إلى تحقيقها وفهم اهتمامات العملاء وقيمهم وتطلعاتهم، إذ تتجه الحملات الإعلانية إلى اتخاذ صورٍ أبعد من سمات المنتج الذي تروج له، فلا تبيع الشركات كاميرات المراقبة وحسب بل الشعور بالأمان والسلامة، ولا مستحضرات التجميل بل الثقة بالنفس، ويحمل الأثاث المنزلي رمزية الخصوصية والراحة والذكريات الجميلة، ولا تقتصر إعلانات الهواتف على عرض مواصفات الهواتف المحمولة بل تركز على تمكين جمهورها المستهدف ومنحه القدرة والتواصل والنجاح. ومن أبرز الحملات الإعلانية التي تركت أثراً ملحوظاً في عالم التسويق، تأتي سلسلة إعلانات لإحدى الشركات البريطانية التي نجحت في ربط مشروبها بمشاعر الاحتفاء بالتقاليد المتوارثة والحنين ولمّة الأسرة، وبالفعل يحظى مشروبها اليوم بشعبيةٍ واسعةٍ ويعتبر عنصراً أساسياً على مائدة رمضان، إذ تصل مبيعات الشركة ذروتها في هذا الشهر. وتعتمد شركة أخرى في الترويج لمنتجاتها من مشروبات الطاقة على رمزية المغامرة وأسلوب الحياة النشيط ليكونَ منتجها رفيقَ الرحلات والأنشطة الرياضية، سعياً منها إلى خلقِ صورةٍ ذهنيةٍ معينةٍ حول مشروبها وإقناعِ الجمهور - ولو مجازياً - بأنّه "بيعطيك جوانح". وليس التسويق العاطفي وليد اللحظة، ففي أدبنا العربي القديم قصص كثيرة عنه، وتعتبر قصيدة "قل للمليحة في الخمار الأسود" مثال الدعاية التسويقية الذكية في تاريخنا العربي، وهي تروي أنَّ تاجراً عراقياً جاء بخمر ملونة إلى المدينة؛ فباعها كلّها إلا الخمر السّود. فشكا ذلك إلى الشاعر الدّارميّ، وكان الشاعر الدارمي قد تنسّك، وترك الشّعر، ولزم المسجد. فقال للتاجر: ما تجعل لي على أن أحتال لك بحيلة تبيعها كلّها؟ قال: ما شئت. فعمد الدّارميّ إلى كتابة شعر، ورفعه إلى صديق له من المغنّين فغنّى به. وكان الشعر: قل للمليحَةِ في الخمار الأسودِ ماذا فعلتِ بناسك مُتعبّدِ قد كان شمَّرَ للصلاةِ ثيابَه حتى خَطَرْتِ له ببابِ المسجِد ردِّي عليه صلاتَه وصيامَه لا تقتُليه بحقِّ دينِ محمدِ فشاع هذا الغناء في المدينة وطمعت كل امرأة فيها أن تكون هي صاحبة الخمار، ولم تبق مليحة بالمدينة إلا واشترت خماراً أسود؛ حتى باع التّاجر جميع ما كان عنده. توضح هذه الأمثلة كيف بإمكان التسويق العاطفي أن يتخذ صوراً تتنوعُ بتنوّعِ اهتمامات الجمهور المستهدف واحتياجاته، بحيث تؤدي جميعها إلى تحفيز رد الفعل المنشود وتعزيز ولائه وتفاعله مع العلامة التجارية. ولا يعتمد التسويق العاطفي على تحقيق مبيعاتٍ آنية، بل على بناء الثقة والولاء لدى العميل، ليألفَ ويعتادَ المنتج، بل وأبعد من ذلك ليصبح سفيراً للعلامة التجارية يتحدث عنها ويروّج لها ضمن دائرة معارفه وحياته اليومية.