14 سبتمبر 2025

تسجيل

رسائل في أدراج النسيان

21 أغسطس 2023

أثار منشور كتبته الكاتبة أحلام مستغانمي مؤخرا حول رسائل بريدية تحتفظ بها من الشاعر غازي القصيبي، اهتمام كثير من القراء الذين علقوا على منشور مستغانمي في منصة إكس أو تويتر سابقا. قالت صاحبة ذاكرة الجسد في منشورها المثير والذي أرفقته بمقطع فيديو قصير استعرضت فيه أغلفة الرسائل المعنية: «أحتفظ بـ 22 رسالة للدكتور غازي القصيبي رحمه الله، كهدية متأخرة منه. وهدايا أخرى شاعرية أو طريفة أرسلها لي حسب مزاجه العاطفي أو الشعري. أحتفظ بها بما يليق بمعزته لي وثقته بي. في ذكرى رحيله عدت إليها بأسى الفقدان. كان زمن الأحبة النبلاء الكبار مقاما ومشاعر. كان رحمه الله يحتاج أن يقدم أوراق اعتماده يوميا للشعر، من أجل أن يكتب. فيتحرش بالحب أو بالكتّاب من حوله لينازلوه أو يلهموه نصا شعريا. رحمك الله أيها الفريد نبلا.. أفتقدك أيها الكبير». ربط كثير من القراء الذين علقوا على منشورها الطويل نسبيا بين ما كتبته فيه وما سبق أن كتبه القصيبي في رواية العصفورية؛ «هل أخبرتك أني أعرف غادة السمان؟ ولكنني أتجنب مراسلتها لأنها مصابة بعادة خطرة هي نشر كل ما يصلها من رسائل عاطفية»! ويبدو أن هذا الربط جاء في سياق إشارة أحلام لتلك الرسائل التي تملكها بما يشي ولو عرضيا بمضمونها ما اعتبره كثيرون بأنه اقتفاء لخطى غادة السمان التي نشرت رسائل غسان كنفاني لها في كتاب شهير. وحديث الرسائل بين الأدباء والاديبات تحديدا حديث يطول ودائما يأتي محفوفا بإحراجات تبعده من جادة الأدب لتلقي به في مهاوي الأخبار والشائعات، وهو ما جعل كل محاولة لنشر رسائل من هذا النوع مخاطرة حقيقية تواجهها الكاتبة بالذات خاصة أن معظم من أقدم على نشر هذا النوع من الرسائل في تاريخنا الحديث هن النساء وليس الرجال، لأسباب لا تكاد تخفى على من يعرف السياق الاجتماعي العام في ثقافتنا العربية على صعيد التعامل مع المرأة ومع الرجل كل على حدة فيما يتعلق بما يبوحون به عبر الرسائل مهما كان نوعها! فلأن الرجال يحظون بتسامح اجتماعي متوارث في كل ما يبوحون به شعرا ونثرا عبر الرسائل، العاطفية تحديدا، تواجه النساء بترهيب يضطرهن للاحتفاظ ببوحهن في الأدراج السرية. وهذا يعني، وياللمفارقة، أن للنساء وحدهن الحق في الكشف عن تلك الرسائل وعن أصحابها لأن الضرر يقع افتراضيا عليهن وحدهن، وبالتالي فهن من يقررن فتح باب المواجهة مع المجتمع إن أردن الكشف عن محتويات أدراجهن السرية!. ورغم أن أحلام صاغت منشورها بما يشير لعلاقة صداقة بريئة وأخوية بينها وبينه، وهي لم تنشر محتوى الرسائل التي كانت تصلها من لندن حيث كان يقيم القصيبي الى بيروت حيث تقيم هي، إلا أن إشاراتها العرضية للمحتوى كانت كافية للربط بينها وبين غادة السمان من جهة، وبين منشورها وبين امتعاض القصيبي من نشر غادة السمان لرسائل كنفاني، كما ورد على لسان بطل روايته العصفورية من جهة أخرى، وهو ما ضاعف من درجة الإثارة التي حظي بها المنشور وأعاد السؤال القديم والذي سبق أن أثاره كتاب غادة السمان عند صدوره قبل سنوات؛ هل يحق للمرسل إليه أن ينشر على الملأ رسائل خاصة من دون استئذان المرسل أو بعد موته تحديدا؟ وهل شهرة الطرفين أو أحدهما في الكتابة تساهم في التسامح مع فكرة النشر باعتبار أن هذه الرسائل بعد رحيل كاتبها تصبح ملكا لقرائه؟ ستبقى الأسئلة مفتوحة في طريقها للاهمال ما دامت فكرة الرسائل نفسها في طريقها للموت بعد أن سرقت وسائل التواصل الحديث والفوري منها رونقها القديم ومكانتها الأثيرة في النفوس والأدراج السرية.