14 سبتمبر 2025

تسجيل

ليبيا والتوتر مرة أخرى!

21 أغسطس 2016

بعد الاتفاق الشهير في مدينة الصخيرات بالمملكة المغربية بين الليبيين، الذي رعته الأمم المتحدة في ديسمبر 2015، حيث تم الاتفاق على تشكيل حكومة وحدة وطنية توافقية، واعتبار برلمان طبرق الهيئة التشريعية، وتأسيس مجلس أعلى للدولة، كما استضافت سلطنة عُمان جلسات الحوار، بين أعضاء الهيئة التأسيسية لصياغة مشروع الدستور الليبي بمدينة صلالة قبل عدة أشهر، كان التوقع أن الحل أصبح قريبًا بين الأطراف الليبية المختلفة على كيفية إقامة نظام سياسي جديد في ليبيا، يجمع كل التيارات والتكتلات السياسية، مع وصول الحكومة اللبيبة الجديدة إلى طرابلس برئاسة فايز السراج، المدعومة بعد اتفاق الصخيرات من الأمم المتحدة، وأكثر الأطراف الدولية تأثيرا، ومع كل هذه التحركات التي ساهمت في حل الأزمة الليبية، فإن تصاعد الخلافات والقتال في بعض المدن مؤخرًا، ومشاركة بعض الأطراف الغربية في الصراع، جعل مسألة المصالحة والتوافق الذي تم، متراجعًا عما توقعه بعض المحللين والمتابعين بالانفراج للازمة في ليبيا، ولا شك أن الرئيس الراحل معمر القذافي، ساهم في هذا الوضع المتأزم، لأن غياب النظم الدستورية، واستبدالها باللجان الشعبية، وهي التي أسهمت في عدم تأسيس دولة المفهوم الحديث، وأقصيت كل المؤسسات المعنية بهذا الجانب المهم، التي تجعل من الدولة الليبية نظامًا قائمًا، يقدر من الجميع ويتحول إلى رؤية ثابتة كمؤسسات دولة لا يستطيع أحد العبث بمقدراتها لغايات خاصة، وهذا الإقصاء، كما يقول بعض السياسيين اللبيبين وغيرهم، هو الذي مهّد لهذا الواقع القائم من التوترات والصراعات، من حيث انفراد بعض القبائل والتيارات ببعض المدن والتحكم فيها، والسيطرة على بعض مواقع النفط، والتحكم بهذه الآبار، والمطالبة بحصص معينة... إلخ. ولا شك أن الصراعات السياسية، تلعب دورًا هامًا في عدم قبول التعددية والديمقراطية، التي ستكون الباب للاستقرار والابتعاد عن لغة السلاح، لفرض التوجهات السياسية والأيديولوجية، كما أن ظهور داعش وأخواتها في المشهد الليبي مؤخرًا، ساهم في تأخر الحل الذي يجمع عليه كل الأطراف السياسية بعد الاتفاق الأخير الذي رعته الأمم المتحدة في المغرب. لكن للأسف أن الخلافات السياسية المستمرة، ساهمت في تردي الأوضاع، وعليهم المسؤولية في التدهور الأزمة، كما أن ظهور داعش هو نتيجة من نتائج الخلافات والتوترات السياسية بين الفرقاء الليبيين منذ سنوات، والإشكالية أن هناك تدخلات دولية وعربية في الشأن الليبي، وهذا التدخل من كل طرف من الأطراف، إن كل طرف يهمه النظام الجديد الذي يحكم ليبيا، أن يكون متوافقًا معه فكريًا وسياسيا، وكل طرف يتحرك وفق المصلحة الخاصة التي يراها تتناسب مع أيديولوجيته الفكرية، لكن على حساب هذا البلد واستقراره ووحدة أراضيه، إذ إن بعض المهتمين بالشأن الليبي يتخوفون من تقسيم البلد الكبير والغني، إلى كانتونات إدارية وسياسية إذا استمر الصراع والانقسام السياسي، وقد تتحول إلى صراعات وحروب داخلية، وتسهم في الهدم وليس في البناء، وهذا هو الخطر الذي يتخوف منه البعض، إن لم يتفق الجميع على رؤية واحدة، ويتوافقوا على الحل السياسي الذي يجعل من التداول السلمي للسلطة مسارًا جديدًا لليبيا. ويرى الكاتب الليبي، سنوسي بسيكري أن "من أهم أسباب إخفاق مقاربات المصالحة الوطنية هي محاولة تمريرها بمنأى عن الواقع الراهن وتجاذباته وتفاعلاته، والنتائج المريرة الناتجة عن تلك التجاذبات والتفاعلات، إذ إن التطورات على الأرض خاصة السياسية والعسكرية في مناطق البلاد كافة لا تزال في عنفوانها، أو بعض منها على الأقل، لكن مقاربة التصالح لم تكن من نوع صب الماء على الحرائق المندلعة وتحقيق التوازن في مقترحات فض النزاع، بل من قبيل تمرير النتائج المرجوة من الأزمة المشتعلة والنزاعات المسلحة هنا وهناك. وعدم استعداد الأطراف على الأرض للتصالح". ولا شك أن التدخلات الدولية ساهمت في تعكير الأجواء، لأن البلد تحتاج في الوقت إلى حلول سياسية تتوحد القوى، ثم تأتي مواجهة التطرف والتكفير، لكن مادام الخلاف لا يزال قائما، فإن التطرف يقتات على المشكلات، ويستفيد من هذه الخلافات السياسية الراهنة. ولا شك أن هناك مشكلات وتحديات قائمة، تساهم في عدم إيجاد حل دائم وثابت، من الكثير من القوى داخل وخارج ليبيا، قد لا يدرك الآثار المخاطر الكبيرة لاستمرار الصراع، والذي قدر ينذر بتدخلات دولية بشكل أوسع كما أشرنا آنفًا، وربما يجعلها إذا استمر هذا الصراع تحت الدولية بشكل أو بآخر، أو ربما لفرض حل دولي على الليبيين، ولذلك فإن المطلوب من جميع الفرقاء السياسيين الليبيين المخلصين، أن يدركوا المخاطر المحدقة بهذا الصراع الذي دخل عامه الرابع، ومن المهم أن تعرف كل القوى في ليبيا، ألا منتصر فيهم في هذا الصراع، وأن الخاسر هو البلد نفسه ومواطنوه، وأن الاتفاق والتوافق، ومصلحة الوطن الليبي يجب أن تقدم على كل المصالح الذاتية، وأن هذه الدماء التي تسفك على الأرض يوميًا هي التي ستجر الأحقاد، وربما الانتقام بعد ذلك، وهذا ما يجب النظر إليه بواقعية، وتقديم المصلحة الوطنية على كل المصالح الخاصة.