13 سبتمبر 2025
تسجيلبينما تلسع الشمس رؤوسنا بسياطها النارية وتسفع ريح اللاهوب الساخنة وجوهنا بما تحمله من غبار وأتربة، ليبدو الصيف القائظ في بلادنا موسماً للمعاناة اليومية عند الخروج من المنزل والعودة إليه وموسماً كذلك للأمراض والمتاعب الصحية. وبالرغم من شدة الرمضاء التي تسم الصيف في بلاد العرب بقسوتها وهجيرها إلا أن العرب بما لهم من فطنة ودقة في الملاحظة أطنبوا في وصف الظواهر الفلكية والمناخية على مدار العام وفي تحديد المواسم وإطلاق الأمثال والأشعار حولها وزادوا في وصف مظاهر الصيف وحرارة الطقس ربما لأنه الفصل الأطول والأكثر قسوة ومعاناة. فهذه الفترة الساخنة الشديدة الرمضاء من السنة والتي غادرنا فيها قبل أيام نوء (المرزم) ليدخل علينا موسم مرخيات القلايد، هذا الموسم الذي يتكون من نجمين هما نجم الكليبين، ونجم سهيل. وبعد أن كان الحر أشد وطأة أثناء نوء المرزم الذي يعرف عند أهل الزرع والفلاحة باسم (طباخ اللون)، وكذلك (مرزم الشعرى) حيث يشتد الحر وتثور ريح السموم وتظهر الأفاعي وهو من مواسم الغوص العود (الكبير) على اللؤلؤ في الخليج، كما ينضج الرطب تدريجياً في هذا الموسم، وقد قال البدو في شبه الجزيرة العربية (لا طلع المرزم فامل المحزم). أما موسم مرخيات القلايد فقد اشتق اسمه من القلايد وهي ما يوضع على أضرع الأبل وسميت بمرخيات القلايد دلالة على ارتخاء قلايد الإبل آخر النهار بسبب العطش بعد ان كانت مشدودة اول النهار وذلك من شدة الحر والقيظ. وفي هذا يقول الشاعر والفلكي راشد الخلاوي: مضى القيظ عن جرد السبايا ولا بقى من الصيف إلا مرخيات القلايد أما عن ظهور نجم الكليبين، فقد كان العرب يقولون (إذا طلع الكليبين خذ الحفنة من المدين)، أي إذا شوهد نجم الكليبين بالعين المجردة قبيل شروق الشمس فإن المرء يستطيع أن يأخذ حفنة من الرطب الذي نضج وأزهى، وفي هذا الموسم تكثر السحب غير الماطرة والمسببة لارتفاع الرطوبة في الجو، كما تحتاج المزروعات لكثرة السقيا، والرياح تكون عادة مشوبة بالسموم، ولكن الطقس في آخر هذا الموسم يبدأ في الاعتدال ليلاً كبداية لدخول موسم سهيل، حيث تنكسر حدة الحرارة، ويتزامن ذلك مع نضج الرطب والرمان، وبدء هجرة الطيور الخواضير، والطيور الصغيرة الأخرى. وقد وصف راشد الخلاوي هذا الموسم بقوله: ونجوم الكُليبين الذي يرشفَ الجم ايغور فيه ماءَ العيونَ الوكايد و بعد أن يقضي نجم الكليبين مدته ليفسح المجال لنجم سهيل بالظهور الذي يستبشر العرب به فيعتدل الجو بظهوره وتخف ريح السموم وتهب أحياناً الرياح الشمالية المعتدلة ويبرد الماء مساء، ويطول الليل والظل، ويقصر النهار، ويتحول الرطب إلى تمر، وقد قالت العرب (اذا طلع سهيل لا تأمن السيل، وتلمس التمر بالليل). وكذلك قالوا (إذا طلع سهيل طاب الليل وامتنع القيل، وخيف السيل، ورفع الكيل ولأم الفصيل الويل).