26 أكتوبر 2025

تسجيل

كتارا.. قلب الدوحة النابض

21 أغسطس 2015

لطالما كان البقاء في الدوحة خلال أشهر الصيف عبئاً على صاحبه، حيث الحرارة الشديدة والرطوبة التي لا تطاق، والبقاء حبيس المنزل والمكتب، إذا حالت الظروف دون السفر إلى الخارج، إلا أن الدوحة استطاعت أن تبدد هذه الصورة النمطية في السنوات الأخيرة، بفضل الحي الثقافي "كتارا" الذي تحول إلى "قلب نابض للدوحة"، ونجح بإخراج الناس من بيوتهم ليمارسوا حياتهم الطبيعية، حتى في شهر أغسطس أو "آب اللهاب" كما يطلق عليه في بلاد الشام. الحي الثقافي، هذه البقعة الجغرافية في قلب الدوحة، تحول إلى حالة تستقطب القلب والوجدان، يقدم المعرفة والثقافة والتسلية، فهو مكان يجمع بين الروح والجسد في مكان واحد، ولعل الناظر إلى نشاطات الحي الثقافي "كتارا" خلال شهر أغسطس الذي يعتبر الأعلى حرارة في السنة يكتشف الدور الرائع والمهم والحيوي الذي يلعبه في حياة الناس، وهي نشاطات وفعاليات تبدأ من تكريس الإيمان والقيم الإسلامية عبر سلسلة من المحاضرات والندوات الإسلامية التي يقدمها علماء أفاضل، أو تلك التي تتعلق ببناء المهارات العائلية والسلوكية، التي تهدف إلى بناء إنسان سليم من الناحية الأخلاقية، وهي قيمة أساسية ومحورية في عمل "كتارا" التي ترتبط ارتباطا وثيقا بالقيم الإسلامية والعادات والتقاليد العربية والقطرية الأصيلة، في عملية تربط الحاضر بالماضي، ولعل التجربة الكبيرة لإعادة إحياء رحلات السفر البحري إلى الهند عبر القوارب التقليدية بعد 60 عاما من توقفها يعد من المشاريع الطموحة لربط الأجيال وإنعاش الذاكرة، وهذا ما يعبر عنه انطلاق "محمل الخير 2". ولا يقف الأمر عند هذا الحد، فشهر أغسطس المولود في رحم اللهب، لم يكن عقيما، بل كان ولودا بالنشاطات المبهجة، وليس هناك أكثر بهجة من أن يجد الأطفال ملاذا للفرح واللعب والمتعة والسرور، وهو ما وفره الحي الثقافي عبر ورشات "لون صيفك" و"صناعة الأكواخ" والنشاطات الموسيقية، ومهارات الرسم والتصميم، وهي جميعها ترفع من مستوى الأطفال وتزودهم بذخيرة كبيرة من المهارات التي تفيدهم في حياتهم الدراسية والعملية. ولا تقف نشاطات كتارا عند حدود الذات فهي تنفح إلى الآخر وثقافته، فقطر والحي الثقافي جزء من العالم، وهذا العالم المتعدد ممثل في الدوحة من خلال وجود أشخاص ينتمون إلى أكثر من 120 جنسية على الأقل من كل القارات يعيشون على أرض قطر الطيبة، وهؤلاء الوافدون لا يعيشون على الهامش، بل هم جزء من المجتمع والحراك الاجتماعي، يؤثرون ويتأثرون به، ومن هنا يأتي الدور الفاعل للحي الثقافي "كتارا" في احتضان هؤلاء الوافدين وثقافاتهم، عبر استضافة نشاطات ثقافية من بلدانهم، مثل الباليه الفلبيني والرقص التراثي الهندي "الكاثاك"، الذي يثري التنوع الثقافي ويقرب بين الشعوب، ويصنع جسوارا للمحبة والألفة بينها بدل الخصام والحروب والعداء، وهو دور لا يقدر بثمن. ورغم هذا الاهتمام الكبير بالثقافات العالمية، إلا أن اهتمام "كتارا" بالثقافة العربية، يبقى على رأس الأولويات، سواء في الملتقيات الأدبية والثقافية، ولعل أبرزها "جائزة كتارا للرواية العربية" التي تعد جوائزها الأضخم على المستوى العربي، والتي أنهت دورتها الأولى بنجاح كبير، وهي ماضية في دورتها الثانية، وكذلك تكريم الأدباء والمفكرين والمثقفين والفنانين العرب، ولعل آخرها معرض "لهم" الذي يعد تكريما وثناء من الفنان العراقي إسماعيل عزام لخمسة عشر رسامًا ونحاتًا عربيًا، وكذلك معرض "أندوي" الذي يضم صورا تعكس رحلة المصورين القطريين إلى الهند. وورشات العمل مثل "أساسيات التصوير الضوئي" والإخراج التلفزيوني والحرف اليدوية. الجسد أيضا كان نصيب المتعة على شواطئ كتارا الذهبية، ففي هذا الصيف اللاهب كان للرياضات المائية حيز معتبر سواء التزلج على الماء أو المراكب المائية أو قوارب الجندول، فالجسد يحتاج إلى ترويح هو الآخر. كتارا هي محور النشاط وهي قلب الدوحة النابض، وملتقى الثقافات، خففت من وطأة الصيف وحولته إلى مرج من الفرح، ولعل ما يثير في صيف كتارا هو إشراف الدكتور خالد بن إبراهيم السليطي شخصيا على صناعة الفرح للناس، وتحويل كتارا إلى قبلة للباحثين عن السرور والمعرفة من أناس عاديين وسفراء ودبلوماسيين وضيوف من شتى أصقاع الدنيا، وهو نشاط يسجل له، لأنه يجمع ولا يفرق، ما يكرس من الحي الثقافي رافعة للوعي والوئام وصناعة المجتمع المنسجم المتآلف رغم انتماء سكانه لجنسيات العالم كله.