16 سبتمبر 2025

تسجيل

صالح الشرنوبي: تذكار الشاعر

21 أغسطس 2015

googletag.display('div-gpt-ad-794208208682177705-3'); googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1462884583408-0'); }); أخلص للشعر وحده، فمنحه ألقه وأرقه، جنونه وعبقريته، وسلبه حياته القصيرة التي لم تتجاوز 27 عاماً، قطعها بقفزات عصفور، وعاشها على أطراف مشاعره وأعصابه. القراءة الأولى لسيرة حياته تجعلنا نعجب كيف استطاع أن يفعل كل ما فعل في هذه المدة الوجيزة. إنه "صالح الشرنوبي" الشاعر الذي رحل منذ 64 عاماً ومازال يبحث عن الإنصاف، والمبدع الذي كان مقدراً لموهبته أن تحلق به في سماء الشهرة لولا أن تفاصيل حياته أبت إلا أن تقف به في "برزخ" بين بين، بين روعة الإيمان ولوعة الشك، بين طمأنينة العائلة وتشرد الصلعكة، بين العقل والجنون. البداية والنهاية أيضاً كانتا في "بلطيم" بمحافظة "كفر الشيخ" شمالي مصر، حيث وُلد في 26 من مايو 1934، لأب موسر يعمل في تجارة الأسماك، وينتمي إلى أصول تركية وأم تنتمي إلى عائلة من الفلاحين، كانت من أشد المؤمنين بعبقرية ابنها وشاعريته، وكانت تفاخر به قائلة "إنه شاعر النيل". أسرة أدخل ميلاد "صالح" البهجة عليها، فهو الثاني بين أبنائها، وقد جاء بعد ترقب عشر سنوات مرت عجافاً منذ سبقه إلى الوجود شقيقه الأكبر "شرنوبي" الذي لم يكف وحده لملء بيت العائلة المطل على بحيرة البرلس والمكون من ثلاثة طوابق، استقل "صالح" منها بركن خاص في الطابق الثالث. أما مشهد النهاية فمأساة وقعها "قطار الدلتا" بعجلاته، "كان هذا القطار يسير من دون مواعيد للوصول ولا للانطلاق، ويقف في المحطات وفي غير المحطات، بطيء في غالب أحواله، لكنه يسرع إذا ما عنَّ هذا لسائقه. وقرب فجر 17 من سبتمبر 1951 كان "صالح الشرنوبي" مستغرقاً في جلسة هادئة على شريط القطار بجوار منزل العائلة، ولم ينتبه إلى القطار القادم ربما لأنه كان مشغولا بقصيدة جديدة، وعادته أنه إذا انشغل بقصيدة ذهل عما حوله، وربما لأن الرياح كانت تهب عكس مسار القطار فضيعت صوته، ولم ينتبه للقطار إلا وهو يصدمه في رأسه، مطيحاً بجذعه بعيداً، وتاركاً رجليه مبتورتين حيث وقع الاصطدام. في حادث مروع لم ينتشر خبره إلا في الصباح، وقد جاء شقيقه مع من جاء ليستطلع ما حدث، وحين عرف في القتيل شخص "صالح" انهار مصاباً بنوبة صرع استدعت علاجاً طويلاً. جمع الناس أشلاء "صالح"، وحرر الطبيب شهادة وفاة كتب فيها أنه "مصاب بصدمة عصبية ونزيف عام وكسر في الجمجمة" وتم تشييعه إلى قبر كتبوا عليه "دفن شهيد الشعر والشباب في 15 من ذي الحجة سنة 1370 ـ 17 من سبتمبر سنة 1951". بداية ونهاية بينهما حياة حافلة بالأحداث والغرائب والمتناقضات، مشحونة بحيث إننا نحتاج إلى أكثر من سنواتها إن أردنا إعادة أحداثها، بقي منها: 11 دفترا تركها الشاعر، دون فيها 11 ديواناً من شعره، أولها "أصداف الشاطئ" وآخرها "مع الريح".