11 سبتمبر 2025
تسجيلسؤال لا أعتقد أن أحدا يجرؤ في الإجابة عليه في الوقت الراهن، إن سلبا أو إيجاباً، والسبب واضح، إذ الكل يعي ويدرك ليس فقط خطورة المرحلة، بل عظم التحديات التي تركها سلفه المالكي والتي تتمثل في إرث طويل عريض من المشاكل والأزمات.اضطر المالكي لإعلان هزيمته بعد أن أخفقت جميع محاولاته وباءت بالفشل، وهكذا بات يلقب حتم أنفه رئيس الوزراء السابق، لم يستسلم نوري المالكي لمجرد أنه أدرك متأخراً أنه مرفوض وطنيا وعلى نطاق واسع، أو لأن المرجعية الشيعية أعلنت عن رغبتها في التغيير، أو لأن العراق بفضل تبعيته - المالكي - لإيران بات معزولا عربيا ومنبوذا خليجيا ....لا هذا ولا ذاك، السبب في التحول خلال 24 ساعة من موقف الرفض التام إلى القبول التام بخليفته العبادي ....لا تفسير له سوى تهديد من طرف خارجي بكشف مستور، وما أكثر ما تركه المالكي من عورات يكفي كشفها إزاحة ورقة توت حتى تنفتح عليه أبواب المحاكم الجنائية الدولية... ولهذا أغلب الظن أن المالكي انسحب بناء على صفقة . ولابد أن نتحسب لذلك في قراءتنا للتغيير الذي حصل. انتهى عهد نوري المالكي، ويفترض أن عهدا جديدا قد بدأ، لكن من يملك الجرأة على تأكيد ذلك، لا أحد ... خصوصا أن هناك مخاوف مشروعة على نطاق واسع وقلقا من احتمال أن يخذل العبادي أكثر المتفائلين بقدومه ويثبت للجميع أنه لن يكون إلا نسخة جديدة , لنوري المالكي !! احتمال وارد تعززه حقائق موضوعية كون العبادي عضوا قياديا متمرسا في حزب المالكي أي حزب الدعوة، ولهذا لن استغرب تصريح البعض المتفائل بتكليف العبادي بأنه نعم متفائل ولكن بحذر.ضخم الإعلام العالمي خبر تكليف العبادي بتشكيل الحكومة، ما ترك الانطباع للمتابع أن تغيير المالكي هدف في حد ذاته !!! وأن جميع مشاكل العراق ستجد لها الحلول لمجرد رحيله !! وهو انطباع خاطئ ساهمت عوامل كثيرة في تكريسه منها تمحور الخلاف السياسي خلال السنوات الماضية حول شخصه بحيث بات الجميع ينظر إلى أزمات العراق مجسدة فيه .ولهذا خرج المتابعون للشأن العراقي بانطباع أن التغيير يتحقق فحسب برحيل نوري المالكي، وهو انطباع خاطئ .من المؤكد أن التغيير لن يتحقق إلا بتغيير الوجوه، ورغم أهميته البالغة، فإن من المؤكد أيضاً أن التغيير لن يتحقق فقط بتغيير الوجوه . لكن التغيير يحصل عندما تتغير الوجوه ومعها السياسات. لا أدري كيف ينظر العبادي إلى إرث سلفه، هو لم ينتقده حتى اللحظة، لكن مجرد جرأته في التصدي لنوري المالكي والترشح بدل عنه تنطوي على معان كثيرة من بينها رفض المالكي بشخصه وسياساته، مجازفة ما تحملها العبادي لولا شعوره بأن القضية القادم من أجلها وأحسبها التغيير خطيرة وتستحق . لو افترضنا أن مهمة العراقيين بعد غزو العراق عام 2003 انصرفت إلى بناء عراق أفضل، أمنا واستقرارا وازدهارا، يحقق للمواطن العراقي حياة آمنة حرة كريمة، فإن العراقيين فشلوا ومن يتحمل المسؤولية في هذا الفشل من وفر له الدستور أكبر الصلاحيات وأهمها على الإطلاق وأقصد منصب رئيس مجلس الوزراء، لا ظلما ولا تجنيا نوري المالكي فشل باعتراف منظمات أممية تراقب وتقيم جودة الحكم على الصعيد الدولي. فإذا سعى المكلف حيدر العبادي في استنساخ تجربة سلفه على أساس أنها سياسة حزب الدعوة ما يفرض عليه الولاء لها فإنه بذلك يكون قد حكم على نفسه ابتداء بالفشل ولا أظنه فاعلا، لهذا من المؤكد أنه يسعى للتغيير لأنه بالضرورة يبحث عن النجاح.التحديات والملفات التي تركها السلف للخلف من غير المتوقع أن تحل بسهولة وفي فترة قصيرة من الزمن ولابد من خارطة طريق للإصلاح تنطوي على سلم أسبقيات تضمن معالجة التحديات الملحة أولا، أي اعتماد سياسة الأهم على المهم. وليس هناك في تصوري تحد أخطر من التقسيم والحرب الأهلية، وإذا كانت الخلافات الضاغطة نحو انفصال إقليم كردستان ذات بعد إداري واقتصادي وأمني فإنها بين المحافظات المنتفضة الست وحكومة المركز أعقد وأشمل وأخطر، لقد بات العرب السنة يعتقدون على وجه اليقين أن لا مكان لهم كشركاء في وطن واحد، وأصبحت هويتهم وعقيدتهم بل ووجودهم مستهدفا .... وبينما هم يتطلعون لدولة مدنية، دولة مؤسسات وقانون، دولة خالية من التمييز والظلم فإن الطرف المقابل كان قد باشر منذ عام ٢٠٠٥ بحرف العملية السياسية بمنهجية واضحة نحو الدولة الدينية المذهبية التي يحكمها حزب لا يؤمن بالآخر ولا يعترف به ويقفز على حقيقة أن العراق مجتمع متعدد الأعراق والديانات والمذاهب والثقافات . إن بقيت الأمور هكذا فالعراق ذاهب للتقسيم الفعلي لا محالة، وإن كانت رغبة الحكومة القادمة تعزيز الوحدة الوطنية وإزالة آثار السياسات التمييزية الطائفية الخاطئة فإنه لابد من إنصاف العرب السنة من خلال رزمة من الإصلاحات العاجلة ترفع الغبن الذي أصابهم وتعيد الثقة بهم والاطمئنان إلى نفوسهم وتضعهم كما هو حال بقية المواطنين في موضع الندية والمساواة مع أقرانهم من الشيعة . لقد طارد نوري المالكي العرب السنة دون هوادة وضيق عليهم وخيرهم بين قطع الأرزاق بقانون المساءلة والعدالة وقطع الأعناق طبقا لقانون مكافحة الإرهاب، تعرض العرب السنة ولاسيما خلال سنوات حكمه إلى تطهير مذهبي لم يشهده العراق الحديث من قبل . ولهذا اضطر العرب السنة لرفع السلاح ورحبوا مكرهين أيضاً وفتحوا أبوابهم لتنظيمات متطرفة كانوا قد حاربوها خلال الأعوام 2007 و2008. حيث لم يعد أمامهم من سبيل آخر للحياة. قلت إن إرث المالكي ثقيل، والتحديات التي تواجهنا خطيرة ومتنوعة وفي مقدمتها تحدي احتمال التقسيم والحرب الأهلية الذي إذا ما عولج بحكمة وتبصر بإجراءات وقرارات تكرس الإنصاف والعدالة فإنه يفتح المجال أمام معالجة بقية التحديات، الأمنية منها على وجه الخصوص. يحاول البعض أن يختصر التحدي الأخطر الذي يواجه العراقيين بظاهرة نشوء وامتداد تنظيمات الدولة الإسلامية فحسب، دون أن يشغل نفسه بتقليب أوراق الماضي للتعرف على جذور المشكلة وكيف حصل الذي حصل!! لقد نشأ هذا التنظيم في ظل شيوع الظلم والتهميش والإقصاء وترعرع عندما فتحت أمامه حاضنة عربية سنية يائسة وغاضبة ... ومن المؤمل أن تغير هذه الحاضنة من موقفها متى استشعرت العدل والإنصاف والعيش بكرامة. وإذا لم يتحقق ذلك وتواصل الظلم والقتل والتهجير للعرب السنة كما هو حاصل حتى اللحظة فهذا يعني باختصار أن حكومة العبادي ماضية في إكمال ما بدأه المالكي وأقصد مشروع الحرب الأهلية والتقسيم . ولنقرأ الفاتحة على دولة كان اسمها يوما العراق. إن مواصلة القصف بالمدفعية الثقيلة والطائرات بالبراميل المتفجرة على الحويجة والفلوجة وتكريت والضلوعية وغيرها، أن إطلاق يد المليشيات الطائفية لتعبث بأرواح الشباب من العرب السنة في بغداد والبصرة وديالي وشمال بابل وغيرها لا تفسير لها سوى أنها سياسة مقصودة ترمي إلى توسيع المحضن العربي السني المتعاطف مع التيار المتشدد من جهة ودفع المزيد من الشباب اليائس المحبط للانخراط بل انضمام حتى فصائل مسلحة مقاومة للمد الصفوي تصنف بأنها غير متشددة إلى هذا التيار، يحصل ذلك اضطرارا باعتباره الملاذ الأخير . العبادي في وضع لا يحسد عليه، لو مضى على خطى سلفه فشل، ولو سعى للنجاح وقرر على التغيير فعليه أن يرضي العرب السنة بشرط أن لا يغضب العرب الشيعة، مهمة ليست سهلة وتنطوي على توازن دقيق لا أعتقد أن العبادي مؤهل له ولهذا سيبقى بحاجة لآخرين، ومتى عزم على التغيير والإصلاح وبادر فعلا ودون مزيد من التردد ..... فإنه سيلقى استجابة طيبة في الدعم والمساندة من الداخل والخارج . والظرف موات ومصلحته الشخصية تقتضي ألا يضيع هذه الفرصة أبداً وقد ضيعها سلفه وفشل.