14 سبتمبر 2025
تسجيلوذلك من خلال النص على حق رئيس الجمهورية، بعد التشاور مع القوى السياسية المختلفة، في تشكيل لجنة تأسيسية جديدة في حال ظهر مانع يحول دون استكمال اللجنة الحالية لمهام عملها. وهو الأمر الذي سيجعل تلك القوى التي تسعى إلى تعطيل عمل اللجنة تراجع موقفها، خوفا من أن يقوم الرئيس بتشكيل لجنة تكون أغلبيتها من التيار الإسلامي الذي ينتمي إليه. وهناك أيضا نص آخر متعلق بإلغاء الإعلان الدستوري المكمل الذي أصدره المجلس العسكري في منتصف شهر يونيو الماضي، والذي أعطى من خلاله لنفسه حق الرقابة على اللجنة التأسيسية وكذلك تشكيل لجنة جديدة في حال تم صدور حكم قضائي بحلها. هذه القرارات سيترتب عليها تحرير الضغوط التي كانت تمارس على اللجنة التأسيسية، خاصة ما يتعلق بضرورة إقرار الوضع المتميز للمؤسسة العسكرية في الدستور الجديد، والتي حاولت قيادة المؤسسة متمثلة في المجلس العسكري، العمل على الوصول إليها منذ اللحظة الأولى لتوليه السلطة عقب تنحي الرئيس المخلوع. وكان من نتيجة محاولاته المتكررة لإقرار هذا الوضع المتميز، الدخول في صدامات سياسية مع القوى السياسية، ترتب عليها تأجيل عملية نقل السلطة إلى المؤسسات المنتخبة، بل وحل هذه المؤسسات كما حدث مع مجلس الشعب، بسبب عدم التوافق مع هذه القوى السياسية خاصة جماعة الإخوان المسلمين وفصائل التيار الإسلامي الأخرى، التي رفضت رفضا قاطعا أية مميزات للمؤسسة العسكرية في الدستور الجديد. وقد وصلت هذه المعارضة إلى حد الدعوة لتظاهرات مليونية في الميادين العامة يوم 18 نوفمبر 2011 ردا على وثيقة أصدرها نائب رئيس الوزراء الأسبق علي السلمي، عرفت بوثيقة المبادئ فوق الدستورية. وتم تقديمها على أنها استرشادات للدستور الجديد. وكانت تعطي المؤسسة العسكرية ميزات كبيرة تجعل منها دولة فوق الدولة، وهو ما يتناقض مع مبادئ الديمقراطية ومع ما سعت إليه الثورة المصرية التي أرادت بناء نظام ديمقراطي حقيقي تتكامل فيه مؤسسات الدولة ولا تتصارع من أجل تحقيق نهضة حقيقية للوطن. وحتى بعد انتخاب مجلسي الشعب والشورى المنوط بهما اختيار أعضاء اللجنة التأسيسية وفقا للتعديلات الدستورية التي تم إقراراها بعد نجاح الثورة، فإن المجلس العسكري عمل على عرقلة هذه اللجنة ومنعها من تأدية عملها عبر العمل على استصدار حكم قضائي بحلها. وقد حدث ذلك بالفعل وذلك بسبب سيطرة التيار الإسلامي الرافض للوضع المتميز للجيش في الدستور، على هذه اللجنة. وبعد تشكيل اللجنة الثانية الموجودة حاليا، استمرت محاولات المجلس العسكري لحلها بعد استمرار رفض جماعة الإخوان التوافق معه حول وضع المؤسسة العسكرية، وتم تحديد أكثر من توقيت للحكم بحلها، لكن الحيل القانونية التي لجأت إليها الجماعة، فضلا عن التغييرات السياسية التي شهدتها الساحة بعد انتخاب أحد قادة الجماعة في منصب الرئيس، أدى إلى تأجيل إصدار حكم بحل اللجنة. وهو ما منحها القدرة على استمرار عملها ومحاولة إنجازه قبل الموعد الجديد للحكم بحلها في شهر سبتمبر المقبل. لكن هذا لم يمنع المجلس العسكري من الاستمرار في ممارسة ضغوطه بأشكال أخرى عبر ممثله في اللجنة التأسيسية، الذي كان دائم الاعتراض على أية محاولة لوضع مواد بالدستور تضع المؤسسة العسكرية في موازاة باقي مؤسسات الدولة، حتى وصل الأمر إلى انسحابه من أحد اجتماعاتها لرفض أعضائها ضم القضاء العسكري إلى مؤسسة القضاء العادية. حيث رأى الأعضاء أن القضاء العسكري هو قضاء خاص بالعسكريين دون غيرهم، فضلا عن أن الضوابط الحاكمة له تختلف عن تلك الحاكمة للقضاء العادي. وتأتي التطورات الأخيرة المتمثلة في قرارات الرئيس، لتزيل كافة الضغوط التي كانت تمارس ضد اللجنة، سواء تلك التي كانت تسعى لحلها أو تلك التي تسعى إلى إقرار وضع متميز للجيش في الدستور. ومن المؤكد أن تحرير اللجنة التأسيسية لوضع الدستور من كافة هذه الضغوط سيؤدي إلى خروج دستور ديمقراطي حقيقي يؤسس لدولة دستورية حديثة، تستطيع اللحاق بركب الدول المتقدمة.