12 سبتمبر 2025
تسجيلأزمات الديون في أوروبا وأمريكا يتطلب حماية الأسواق أكدت العديد من إدارات المصارف المركزية الخليجية استمرار ربط عملاتها بالدولار، وذلك رغم الصعوبات المالية والاقتصادية الهيكلية التي يعاني منها الاقتصاد الأميركي، إذ ربما يكون ذلك مفهوما من الناحية الفنية، وذلك لارتباط عائدات النفط وتسعيرها عالميا بالدولار، إذ ربما يترتب على عملية الفك في الوقت الحاضر على أقل تقدير تعقيدات مالية ونقدية في ظل الأوضاع المالية السائدة في العالم. وتزامنا مع هذا الارتباط، هناك دون شك عمليات ارتباط مالية ونقدية أخرى لا يمكن فصلها عن عملية الارتباط الأولى والتي يأتي من ضمنها ارتباط جزء مهم من احتياطات المصارف المركزية الخليجية بالدولار، وهو أمر منطقي ولا غبار عليه، إلا أن تصريحات محافظي بعض هذه البنوك المركزية القائلة بعدم امتلاكها لأي أدوات مالية صادرة عن الحكومة الأميركية، بما فيها سندات الخزانة أميركية بسبب أن انخفاض العائد على هذه السندات أوجد تناقضا مع بيانات سابقة من نفس المصدر تتحدث عن أن أكثر من 90% من الاحتياطيات مقومة بالدولار. ويشكل ذلك لغزا من الصعب حل رموزه، إذ لا يمكن الربط بين هذين التوجهين من الناحية المهنية، إلا إذا كانت هناك نظريات جديدة تشرح هذه العلاقة، فهذه الاحتياطيات الضخمة بالعملات الأجنبية للمصارف المركزية الخليجية والمقدرة بمئات المليارات من الدولارات لا يمكن أن تكون في مجملها موظفة خارج الولايات المتحدة! إذ أن ذلك يمكن أن يولد نوعا من الحيرة بسبب صعوبة استيعاب هذا الربط مهنيا. ومع ذلك يفترض المرء أن هناك مخرجا لهذه الحيرة، إذ ربما تكون هناك توجهات مالية لدى بعض البنوك المركزية لها فلسفتها الخاصة في توزيع احتياطياتها، إلا أنه يبدو أن هذه الحيرة التي وقع فيها قطاع الأعمال لم تقتصر على المتابعين الخليجيين، بل امتدت إلى خارج حدود دول مجلس التعاون، إذ أشارت صحيفة "الفايننشال تايمز" والصادرة يوم الخميس بتاريخ 5 أغسطس الجاري إلى نفس الاستفسارات والتساؤلات، حيث كتبت "كاميلا هول" بما أن العملة المحلية مرتبط بالدولار رسميا، فإن شراء جزء من السندات الأميركية يصبح أمرا حتميا من وجهة النظر العملية. وجاءت هذه التخمينات من قبل المحللين والمستثمرين بسبب غياب أية توضيحات تتعلق بهذا الموضوع، كما تقول صحيفة "الفايننشال تايمز"، مما أثار الحيرة لدى المتابعين للأسواق المالية، والذين لم يجدوا ربطا بين هذين التوجهين، كما أنهم لم يجدوا من يفسر لهم هذا اللغز. وتزامن ذلك مع أجواء مالية عالمية متوترة للغاية بسبب أزمات الديون في أوروبا والولايات المتحدة، مما يتطلب حماية الأسواق التي تعتبر أقل تأثرا بالأزمة، كالأسواق الخليجية، وذلك من خلال الابتعاد عن التصريحات التي لا تتناسب وظروف الأزمة العالمية ومد الأسواق المحلية والخارجية بجرعات من التصريحات الشفافة التي تبث الثقة في السوق الخليجية وتعكس حقيقة الأوضاع الاقتصادية والمالية الإيجابية التي تتمتع بها دول المجلس بشكل عام. وهذه ليست المرة الأولى التي تثير تصريحات وإجراءات المصارف المركزية الحيرة لدى قطاع الأعمال، فقبل سنتين على سبيل المثال اتخذ بعضها قرارا يتعلق بتقييد توزيعات الأرباح لدى البنوك الوطنية المساهمة بحيث لا تتجاوز 50% من مجموع الأرباح، علما بأن البنوك المحلية مصابة "بتخمة السيولة" بشهادة البنوك المركزية ذاتها، في الوقت الذي تعاني البورصات المحلية من أزمة سيولة مستفحلة وتزداد سوءا مع اشتداد التقلبات المالية في العالم. لقد عبرت البنوك المحلية عن امتعاضها لهذه الإجراءات، على اعتبار أنها تتوقع، وهي محقة في ذلك أن جزءا مهما من توزيعات الأرباح سوف يعاد ضخه في أسواق المال الخليجية، كما أن الجزء الآخر سوف يغذي السيولة في القطاعات الأخرى، بما فيها القطاع العقاري، أما القرار المذكور، فإنه سيترك آثارا سلبية على مجمل الأوضاع الاقتصادية وسيحرم السوق المحلية من سيولة يمكن أن تساهم في إنعاش العديد من القطاعات التي تضررت من الأزمات المالية المتكررة. لذلك من المهم أن تكون بيانات المؤسسات المالية، وبالأخص المصارف المركزية وإجراءاتها أكثر مهنية وواضحة وتخدم الأوضاع والتوجهات المالية، مما يتطلب ضرورة إعادة تقييم هذه الإجراءات بين فترة وأخرى لمعرفة مدى ملاءمتها للمستجدات الاقتصادية، فالقرار الخاص بتقييد توزيعات البنوك على سبيل المثال قابع في الإدراج، وربما يكون قد تم نسيانه، وذلك رغم أنه أصبح عائقا أمام تدفق السيولة لسوق متعطشة لها.