10 سبتمبر 2025

تسجيل

تهافت الادعاء بصلة القرآن الكريم باليهودية والمسيحية

21 يوليو 2024

تزعمُ دِراساتُ استشراقية أنَّ القرآن الكريم نسخة محرفة من التوراة والإنجيل، فالإسلام جاء متأخراً؛ فلابد أن يكون قد اقتبس كلّ عقائده وأحكامه من هذه الكتب المقدسة. ثم ادّعت هذه الدراسات أن محمدا ﷺ لابد وأن يكون قد تعرف على بعض اليهود والنصارى وتتلمذ عليهم. وأقصى ما تُقدِّمه هذه الدراسات من أدلة على هذه الفرية، هذا التشابه في بعض القصص الواردة في القرآن والتي أشارت إليها التوراة والإنجيل. وتُمثل دراسةُ المستشرق الألماني رودولف فلهلم «صلة القرآن باليهودية والمسيحية» خلاصة آراء المستشرقين في هذا المجال. لقد جمع كل الأفكار وراح يزعمُ بأن القرآن من عمل محمد وفكره، ثم طَفِق في التنقيب عن مصادر يمكن أن تساعده في هذا الادِّعاء، لكن لم يظهر له أي شيء يُوثّق به، وخَلُص إلى أن الحقائق التاريخية تُثبت خُلوَ مكة المكرمة من أتباع هاتين الديانتين. ثم لجأ المستشرق رودلف فلهلم إلى فكرة أخرى، مفادها أن مكة هي ملتقى التجار بين بلاد العرب وسوريا والعراق الوافدين من كل حدب وصوب، وإن لتُجارها صلات تجارية في الجنوب والشمال، فلا ريب في أنهم قد اطلعوا على معتقدات هؤلاء التجار. ويشعر المستشرق بضعف مستنده، فيتساءل هل كان العرب الجاهليون قبل محمد قد عرفوا أفكارا يهودية أم مسيحية؟ يجيب قائلا: ليس هناك أدلة تمدنا بذلك، ثم يشير إلى أن كتب التاريخ الإسلامي أوردت أسماء أشخاص يُعزى إليهم أنهم كانوا مُعلمي محمد. وقد جانبه الصواب هنا، لأنه لو كان كذلك لذكر هذه الكتب التي أشار إليها، والأمر المؤكد أنه لا يوجد كتاب إسلامي فيه شيء من ذلك، وأما الأشخاص الذين يكون الرّسول قد التقى بهم فهم من الحنفاء الموحدين، وقد لقيهم الرسول ﷺ وهو صبي، فبشروه بالنبوة لما رأوا فيه من علامات، ومنهم بحيرا الراهب وورقة بن نوفل. ولعلنا هنا نتساءل بدهشة: هل يتصور عاقل أن طفلا لا يتجاوز عمره تسع سنوات أو اثنتي عشرة سنة يلتقي براهب مثل بحيرا فيحفظ القرآن كاملا منه عن ظهر قلب في بضع ساعات؟ ولعلَّ من القرائن التاريخية التي تُبطل الادعاء بأن مادة القرآن ملفقة من عناصر التوراة والإنجيل هي: 1- أمية الرسول ﷺ وعدم معرفته للكتابة والقراءة باللغة العربية، فضلا عن أن يحسن لغة أخرى، قال تعالى: ﴿وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ﴾. هذه حقيقة تاريخية ثابتة اعترف بها المؤرخ هنري دي كاستر الكونت، فهل يُعقل أن تكون هذه الروايات الشفهية من التوراة والإنجيل قد نُقلت إلى محمد الأمي بتنظيم متصل ومفصل لا يشوبه خلاف أو تناقض؟ 2- عدم وجود ترجمة عربية للتوراة والإنجيل في عصر محمد، هذا ما أقرت به الأبحاث المسيحية، إذ لم تكن هناك ترجمة عربية لهذه الكتب المقدسة في عصر الرسول ﷺ، فمن المؤكد أن الإنجيل حتى القرن الرابع الهجري لم تكن قد وضعت له ترجمة عربية، بدليل أن أبا حامد الغزالي (ت 505ه) في نقده للمسيحية لم يتمكن من العثور على مصدر إنجيلي لها سوى المخطوطة القبطية كما يشهد بذلك الأب شدياق R.P. CHEDIC في معرض ترجمته لكتاب أبي حامد الغزالي، فذكر بأن أول إنجيل ترجم إلى العربية كتب حوالي 1060م بيد رجل يدعى ابن العسال. وبالتالي لم تكن توجد ترجمة عربية للإنجيل في عصر الغزالي، فكيف يمكن أن تكون موجودة في عصر النبي ﷺ ؟ وكيف يمكن أن توجد ترجمة عربية للتوراة وهي أقدم من الإنجيل بزمن طويل؟ وبغض النظر عن كل ذلك، فكيف يُفسر سكوت اليهود والنصارى على اقتباس الرسول ﷺ من كتبهم المقدسة كل هذه التعاليم والمرويات، وعدم احتجاجهم على ذلك في عصره؟