26 أكتوبر 2025
تسجيلأثار حفل افتتاح أولمبياد باريس 2024 موجة من الصدمة والاستياء داخل الكنيسة الكاثوليكية الفرنسية. ففي بيان رسمي، أعرب أساقفة فرنسا عن استنكارهم للحفل الذي اتسم بمشاهد سخرية واستهزاء بالمسيحية. ووصفت الكنيسة الأرثوذكسية الروسية ما حدث بأنه انتحار تاريخي وثقافي في إحدى العواصم المسيحية للحضارة الأوروبية، فيما اعتبر رئيس أساقفة السريان الكاثوليك في الموصل أن الحفل يمثل إهانة للدين والإنسانية. امتد الاستياء والشجب إلى الزعماء السياسيين في فرنسا وأوروبا، حيث قدّم البرلمان الأوروبي اعتذاره لكل المسيحيين في جميع أنحاء العالم الذين شعروا بالإهانة من محاكاة العشاء الأخير. ونسبت الانتقادات إلى أقلية يسارية وبرأت الدولة الفرنسية من المسؤولية. شمل التنديد أيضًا زعماء سياسيين أوروبيين، انتقدوا العلمانية الفرنسية على حساب القيم المسيحية. على سبيل المثال، اعتبر رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان أن ضعف وتفكك الغرب يرجع إلى تراجع الروابط الروحية مع الله والوطن والأسرة، مما أدى إلى غياب الأخلاق العامة. وفي ضوء الجدل المتصاعد حول الحفل، اضطر منظمو أولمبياد باريس 2024 إلى إصدار اعتذار رسمي، وقررت اللجنة الأولمبية الدولية عدم إعادة عرض حفل الافتتاح، وهو قرار غير مسبوق في تاريخ الألعاب الأولمبية الحديث. ومن المثير للاهتمام، أنه في هذه الحادثة لم يكن الدفاع عن المسيحية مقتصرًا على رجال الدين ورجال السياسة فحسب، بل امتد أيضًا إلى المفكرين العلمانيين الأوروبيين. والسؤال هو: كيف يتبنى هؤلاء السياسيون والمفكرون الأوروبيون، الذين يدعمون العلمانية، الدفاع عن التقاليد المسيحية وفي الوقت نفسه يشنون هجومًا لاذعًا على قيم العلمانية في دول تتبنى العلمانية؟ مما يثير تساؤلات حول ما إذا كان هذا يعني العودة إلى المسيحية والتراجع عن العلمانية. في الواقع، يبدو أن استدعاء المسيحية في هذا السياق ليس مجرد تعبير عن صحوة دينية فردية تدعو الأوروبيين إلى العودة إلى الطقوس المسيحية أو الارتداد عن القيم العلمانية، بل هو محاولة للحفاظ على الإرث المسيحي في أوروبا وفرنسا كوسيلة لحماية الهوية الحضارية والذاكرة التاريخية. وبالتالي، يمكن الدفاع عن مفهوم الهوية المسيحية لأوروبا وإبراز جذورها المسيحية، بغض النظر عن مدى التزام المسيحيين بالطقوس الدينية أو حتى اعتناقهم للإيمان المسيحي. وكما يقول المفكر الفرنسي أوليفييه روا: «يمكننا أن ندعي أن لدينا ثقافة مسيحية حتى لو كنا لا نؤمن بالله». وفي هذا السياق، يُنظَر إلى استدعاء التراث المسيحي باعتباره استجابة لمواجهة التوسع الإسلامي المتزايد في أوروبا. ومن هنا، تتعالى صيحات المفكرين العلمانيين الفرنسيين، محذرة من أن فرنسا وأوروبا بحاجة إلى العودة إلى جذورهما المسيحية لمواجهة التحديات التي يفرضها الإسلام كقوة دينية متنامية، مما يثير مخاوف القادة السياسيين والمفكرين الأوربيين من تعرض هويتهم الدينية للتهديد بالانقراض. فمنذ ستينيات القرن العشرين، شهدت فرنسا وأوروبا تحولات كبرى جعلتها تفقد جزءاً كبيراً من إرثها المسيحي. ومع انهيار هذا التراث، برز الإسلام كقوة دينية أزعجت قادة سياسيين ومنظرين أوروبيين، الذين يرون فيه تهديداً لما تبقى من هويتهم المسيحية. لذا، نادوا بالالتفاف إلى هذا الإرث وحمايته، الذي يشعرون أنه فقد معالمه. وفي هذا السياق، نشر المفكر الفرنسي والناشط العلماني أوليفييه روي كتاباً بعنوان «أوروبا.. هل هي مسيحية؟» اعترف فيه بأن الإسلام يُسهم في تسريع النمو الديني في أوروبا، وهو ما يعكس الجدل الدائر في أوروبا حول إحياء الجذور المسيحية لفرنسا والقارة الأوروبية.