15 سبتمبر 2025

تسجيل

أمريكا هي العدو

21 يوليو 2014

لم يكن الزعيم الخالد جمال عبد الناصر مفجر وقائد ثورة يوليو 1952. التي ستحل ذكراها الثانية والستين بعد غد الأربعاء. مخطئا عندما وضع الولايات المتحدة في خانة العدو لمصر ومشروعها الوطني التحرري وللأمة العربية. بعد أن حاول مرارا كسب ودها. بل وسعى إليها في مطلع الثورة لتكون عنصر إسناد له في مرحلة البناء التي بدأها سواء اقتصاديا عبر طلب مساعدتها في إنشاء السد العالي أو عسكريا لتزويد الجيش المصري باحتياجاته ومتطلباته من الأسلحة الحديثة. كان آنذاك حسن النية للغاية مع واشنطن. بيد أنه سرعان ما اكتشف الحقيقة بعد رفضها تقديم العون المالي والفني لبناء السد العالي. ثم تراجعها عن تسليح الجيش المصري وانخراطها في سلسلة من المؤامرات لإجهاض المشروع الوطني لعبد الناصر مما اضطره إلى التوجه شرقا إلى الصين ثم الاتحاد السوفيتي. وهو ما عمق المسافة بين القاهرة وواشنطن. رغم فترة شهر عسل بين ناصر وكيندي في النصف الأول من ستينيات القرن الفائت والتي انتهت تماما باغتيال الأخير. ثم تولى ليندون جونسون رئاسة أمريكا والتي أخذت معه حالة العداء تجاه مصر تتصاعد وبلغت ذروتها في عدوان الخامس من يونيو من العام 1967 والذي كشفت فيه وثائق أميركية وغربية وإسرائيلية حجم التآمر الذي مارسته واشنطن ليس فقط تجاه عبد الناصر ومشروعه التحرري. ولكن ضد المشروع القومي للأمة والذي كان يقوده الزعيم المصري بكفاءة عالية واقتدار حالما بأمة واحدة وليس إمبراطورية يتحكم فيها وفقا لتصورات الإعلام والنخب السياسية الأمريكية في ذلك الأوان البعيد. وعقب ذلك غيرت الولايات المتحدة إستراتيجيتها بالكامل تجاه الكيان الصهيوني. وأصبحت هي الممول الرئيسي له سواء مالا أو سلاحا. ثم تطور الأمر في عقود لاحقة إلى التزام واشنطن بأمن الكيان ثم المحافظة على تفوقه العسكري على كل جيرانه وعدم السماح بسقوطه في ضوء المحددات التي وضعها هنري كيسنجر مستشار الأمن القومي للرئيس نيكسون في سبعينيات القرن الفائت. الأمر الذي حال دون هزيمة الكيان بشكل كامل في حرب أكتوبر 1973 من خلال تعويضه بكل الأسلحة والمعدات العسكرية التي خسرها في المواجهات. خاصة مع الجيش المصري في سيناء. أو عبر مساعدته في العثور على ثغرة تمكن منها لواء من جيشه بقيادة شارون من العبور إلى الضفة الغربية لقناة السويس. مما أجهض نشوة الانتصار العربي. ولم يكتف كيسنجر بهذا الإنجاز العسكري. فساعد على تحقيق مكاسب نوعية للكيان على الصعيد السياسي عبر المفاوضات التي أدت إلى فض الاشتباك بين الجيشين المصري والصهيوني في ظل تهافت الرئيس الراحل أنور السادات وسعيه لتغيير معادلة الحكم وتوجهات السياسة المصرية سواء وطنيا أو قوميا أو خارجيا. وقاده تفكيره إلى إبرام اتفاقية السلام في كامب ديفيد ذاك المنتجع الأمريكي في 1979 تحت رعاية الرئيس جيمي كارتر الذي بدا انحيازه واضحا لمطالب الكيان على حساب مصر والقضية الفلسطينية. وبعد هذه الاتفاقية. دخلت العلاقات الأميركية الصهيونية مرحلة التحالف الاستراتيجي التي ما زالت مستمرة حتى الآن. كواحدة من أهم ملامح السياسة الأميركية في المنطقة . وذلك يعني بوضوح أن كفة الكيان الصهيوني هي الراجحة والرابحة دوما إذا وضعت في مقابل كفة العالم العربي.فى ضوء كل ذلك لم يفاجئني الرئيس الأمريكي الحالي باراك أوباما بتصريحاته يوم الجمعة الفائتة. والتي أبدى فيها تفهمه وتشجيعه للعملية العسكرية التي يقودها جيش الاحتلال في قطاع غزة وصنفها بأنه حرب على الإرهاب يستحق الدعم والتأييد حتى يعيش قطعان بني صهيون في حالة من الأمن والاطمئنان. وإن طالب - بقدر كبير من اللامبالاة - قوات الكيان بمراعاة أرواح المدنيين. ولاشك فإن التصريحات تعكس ضيق أفق سياسي لم يعد خفيا أن رئيس أكبر دولة في العالم يتميز به . فضلا عن محدودية في البعد الأخلاقي لديه. إن لم يكن منعدما تماما. فهو ينظر للأمور بالعين الصهيونية وتحديدا بعين نيتانياهو رئيس الوزراء وحكومته الشديدة التطرف . والتي تتعامل بصلف وغطرسة مع الشعب الفلسطيني ولا تتورع عن اللجوء إلى استخدام كل وسائل القهر العسكري ووصفه دوما بالإرهاب عندما يرد على العدوان أو يقاوم. وللأسف نجح الكيان في تسويق هذا المنظور لدى أغلب النخب السياسية والرأى العام في الغرب في ظل عجز عربي وفلسطيني عن تسويق قيم المقاومة. والتي كان بالإمكان تمريرها . لاسيَّما أن أغلب دول أوروبا بل والولايات المتحدة كابدت سنوات من الاحتلال وانتهجت المقاومة الوطنية سبيلا للتخلص منه.ويبدو لي أن أوباما ضحل في قراءته لمفردات الواقع السياسي في المنطقة. بمساواته بين الجلاد والضحية. منحازا لرؤية الجلاد التي تقوم على الاستئصال والإبادة مثلما يحدث منذ أكثر من ثلاثة عشر يوما في قطاع غزة مما أسفر عن قتل الأطفال والشيوخ والنساء بالمئات وأعداد كبيرة منهم تنتمي إلى عائلة واحدة . عبر استخدام الطائرات المقاتلة التي كانت توجه غاراتها وقصفها على نسف البيوت والمنشآت الحيوية والمرافق الخدمية. ثم اللجوء إلى الحرب البرية مساء الجمعة الماضية. متزامنا ذلك مع عمليات عدوانية من البحر بينما الضحية ليس لديه سوى صواريخ يطلقها باتجاه العدو. محققا في بعض المراحل تطورا نوعيا من خلال وصولها إلى مدن بعيدة مثل تل أبيب وحيفا وغيرها في شمال فلسطين المحتلة في 1948. لكنها لم تقتل أو تصب أحدا. ربما أعداد محدودة للغاية قياسا إلى مئات الشهداء وآلاف الإصابات من جراء القصف الجوى والبرى والبحري. والذي ثبت أن جيش الكيان استخدم فيه أسلحة محرمة دوليا كعادته مكرسا عدوانية استثنائية غير مسبوقة في التاريخ القديم أو المعاصر. ويكفي الإشارة إلى أن الأٍسلحة والمقاتلات والمعدات العسكرية التي يستخدمها جيش قطعان بني صهيون في قطاع غزة. وبالطبع في الضفة الغربية وفي كل حروبه العدوانية السابقة ليس ضد فلسطين فحسب. ولكن ضد مصر ولبنان وسوريا والعراق وتونس في السنوات والعقود المنصرمة هي صناعة أمريكية وما يصنع في داخله منها يكون بدعم وإسناد الحليف الاستراتيجي. والتدريبات على استخدامها يتم بالتعاون مع الجيش الأمريكي الذي يحتفظ بمخازن أسلحة معدة للاستخدام الفوري في القتال في أراضي فلسطين 1948. وهو ما يجسد بوضوح أبعاد الدور العدواني والتآمري الأمريكي ضد الفلسطينيين والعرب. ومع ذلك وتلك مفارقة تحيرني. لا يفتأ العرب يلجأون لواشنطن لحل مشكلاتهم مع الكيان . ورغم الثقة العربية المتهافتة في العم سام والتي بدأت مع مقولة السادات بأن أوراق القضية بنسبة 99 في المائة هي بيد الولايات المتحدة. فإنها لم تنحز مطلقا لقضاياهم بل كانت سباقة بالانحياز لقضايا ومصالح الكيان والدفاع عنه بكل السبل بما في ذلك اللجوء إلى حق النقض – الفيتو – في مجلس الأمن الدولي لإجهاض أي قرار قد ينطوي على قدر من إدانة سلوكه العدواني فهل ثمة خطر على الأمة العربية وعلى القضية الفلسطينية يوازى خطر الولايات المتحدة والتي هي الوجه الآخر للكيان الصهيوني؟