12 سبتمبر 2025

تسجيل

سقوط وصعود التيارات السياسية

21 يوليو 2013

التيارات السياسية التي أنتجتها المجتمعات البشرية في إطار سعيها لتنظيم وتدبير شؤونها في الحكم وممارسة السلطة والمشاركة الجمعية في صنع القرارات الوطنية والاجتماعية، قد تناسب ظروف ومراحل تاريخية معينة تنتهي بانتهاء مراسم تشييعها الفكري وتصبح جزءا من الماضي، وقد لا يذكرها أحد أو يعمد مجتمع ما لمحاولة استدعاء تطبيقها في واقعه بحثا عن الأفضل الذي يناسب المزاج الشعبي العام. على سبيل المثال، ولن نذهب بعيدا بل نبقى في العصر الحديث، لم يعد هناك إمكانية لاستعادة الفكر النازي بكل ما فيه من استعلاء وعنصرية وطغيان على الآخرين، انتهى بـ"الرايخ الثالث" في مزبلة التاريخ وانتحار هتلر، ولا يبدو أن هناك مجتمع يمكن أن يجرؤ على تطبيق أفكار الرايخ حتى في ألمانيا نفسها، وكذا الحال بالنسبة للفاشية التي تزامن سقوطها ونهايتها مع نهاية النازية وموت الدوتشي موسوليني، وليس متصورا أن تعود إيطاليا أو أي مجتمع إلى أفكار الفاشية مجددا. وإذا نظرنا إلى التيار الفكري الكبير الذي اتسع حول العالم بلونه الأحمر الذي يدعو إلى الاشتراكية وإنهاء مظاهر الإقطاع، نجد أن الشيوعية وصلت إلى طريق مسدود رغم تمددها من روسيا والصين إلى أمريكا اللاتينية وأفريقيا وأوروبا الشرقية، ثم اضمحلت في نهايات القرن الماضي بصورة دراماتيكية بعد أن اعتمد الاتحاد السوفيتي في عهد آخر رؤسائه جورباتشوف سياسة الانفتاح "الجلاسنوست" وانتهت الشيوعية وبقيت أطلال تنازع في بعض الدول. والشاهد من ذلك أن الخيارات الفكرية لا يمكن أن تحتفظ بقوتها دون دعم عقدي يؤمن خلاله الناس بقيم أكبر من تصوراتهم التقليدية، ولا بد أن يرتبط ذلك الإيمان بقوة أكبر، ولذلك فإن الدين يوفر ذلك سواء كان لدى المسلمين أو المسيحيين أو حتى اليهود والبوذيين، فهذه الأديان كلية في تصريف شؤون أتباعها ولا تقبل التجزئة، كأن يكون الفرد مسلما فيما هو يؤمن بالشيوعية كنظام سياسي واقتصادي، ذلك تضاد غير منطقي ولا ينسجم مع الضرورات العقلية في ممارسة العمل السياسي. الأديان لا تقبل التجزئة، وهي تحمل بداخلها رؤى نهائية مع مرونة في التعاطي مع الشأن الدنيوي بحسب ظروف ومتغيرات ومستجدات الناس، ولذلك فإن أكثر القناعات والاتجاهات الفكرية ثباتا ورسوخا هي التي تتوافق مع الدين وقيمه، ولا سياسة بدون عمق ديني، وليس من دين يغفل الجانب السياسي ليتركه للناس يتخبطون ويرتبكون في تصريف أمورهم.