13 سبتمبر 2025

تسجيل

بريطانيا.. تحديات اقتصادية

21 يوليو 2013

تواجه بريطانيا في الفترة القادمة تحديين يهددان كيانها الاقتصادي وقوة أسواقها المالية، باعتبار لندن أهم سوق مالي في العالم إلى جانب نيويورك وجنيف وفرانكفورت، حيث يتمثل هذان التحديان في سعي بعض القوى اليمينية للانسحاب من الاتحاد الأوروبي ومحاولات القوميين الاسكتلنديين للانفصال عن المملكة المتحدة. وحول هذين الأمرين من المتوقع أن ينظم استفتاءان سيتوقف عليهما مستقبل بريطانيا الاقتصادي والسياسي، إذ تهيمن على هذين التوجهين بعض النعرات القومية البعيدة عن الظروف الموضوعية التي تعبر عن حقيقة المصالح المتحققة. وفيما يتعلق بالمسألة الأولى الخاصة بالانسحاب من الاتحاد الأوروبي، فإنه رغم الاستقلال النسبي لبريطانيا عن السياسات الاقتصادية الأوروبية لكونها ليست عضوا في العملة الأوروبية الموحدة " اليورو " إلا أنها مرتبطة بصورة وثيقة مع بقية المكونات الاقتصادية الأوروبية، وبالأخص في المجال التجاري، حيث تستحوذ تجارة بريطانيا مع بلدان الاتحاد على نسبة تتراوح ما بين 78-80 من التجارة الخارجية البريطانية. وتتمتع هذه النسبة الكبيرة من قيمة التجارة الخارجية للندن بإعفاءات جمركية بفضل الاتحاد الجمركي بين بلدان الاتحاد، علما بأن هناك حرية تامة لانتقال الاستثمارات والأيدي العاملة، إذ تعتبر بريطانيا من أكثر البلدان استقطابا لرؤوس الأموال الأوروبية، وذلك بحكم موقعها المالي ونشاط قطاعها العقاري المنظم تنظيما جيدا. لذلك، فإن أي حديث عن الانسحاب من الاتحاد سوف يلغي هذه التسهيلات ويعيد علاقة بريطانيا ببقية البلدان الأوروبية إلى المربع الأولى وستتعرض صادراتها لعوائق جمركية، مما سيضعف قدراتها التنافسية في الأسواق الأوروبية ويؤدي إلى تراجع الصادرات في الوقت الذي هي بحاجة لدعم أسواقها الخارجية لاستعادة الحيوية لقطاعات الإنتاج والخدمات هناك. لقد وصلت بلدان الاتحاد الأوروبي إلى درجة عالية من التنسيق والتكامل الاقتصادي بحيث أصبح من الصعب انفراد دولة واحدة باتخاذ مثل هذا القرار في حالة معالجة القضية بصورة موضوعية بعيدة عن التشنج القومي أو المزايدات الانتخابية، في الوقت الذي تدعم فيه الحكومة وقطاع الأعمال بقاء بريطانيا في مؤسسات الاتحاد، وبالأخص الاقتصادية منها، وذلك لعلمهم الأكيد بالعواقب التي يمكن أن تترتب على عملية الانسحاب. أما التحدي الآخر، فإنه يكمن في الاستفتاء المقرر في اسكتلندا والخاص بانفصالها عن بريطانيا والذي يروج له لحزب القومي الاسكتلندي والذي تبدو مواقفه متناقضة، ففي الوقت الذي يغض فيه النظر إلى المصالح والروابط الاقتصادية الاسكتلندية من خلال الاندماج التام ضمن المكون الاقتصادي البريطاني، فإنه يدعو إلى زيادة اندماج اسكتلندا في السوق الأوروبية المشتركة، بل والانضمام إلى العملة الأوروبية الموحدة، مما يعني أن موقف الحزب لا ينطلق من المصالح الاقتصادية، بقدر الانطلاق من مواقف قومية والسعي إلى الانفصال عن بريطانيا بأي ثمن. يحدث ذلك في بلد أوروبي متقدم في كافة المجالات، في الوقت الذي تتطلب فيه الظروف الدولية ومتطلبات العولمة معالجة القضايا الاقتصادية بمرونة وبرغماتية تعبر عن المصالح أكثر من تعبيرها عن تطلعات قومية لا تتناسب والتوجه العالمي نحو التكامل الاقتصادي، حيث يشهد العالم بروز تكتلات اقتصادية كبيرة وقادرة على المنافسة في ظل انفتاح الأسواق وإلغاء الحواجز المعيقة لحركة التجارة وانتقال رؤوس الأموال عبر القارات. وفي المنطقة العربية تشكل مثل هذه القناعات عوائق حقيقية أمام التعاون الاقتصادي، حيث تساهم النزاعات العرقية والإقليمية في إضعاف العلاقات الاقتصادية وتفقد بسببه بلدان المنطقة فرص استثمارية وقدرات تصديرية كبيرة يمكن أن تساهم في إقامة المزيد من المشاريع وترفع من القدرات التنافسية في الأسواق وتوفر ملايين فرص العمل وتؤدي إلى تحسين مستويات المعيشة، مما يعني أن النمو الاقتصادي والتنمية بحاجة لتقييم موضوعي ولنظرة برغماتية تستجيب للتغيرات الدولية وتغلب من خلالها المصالح بصورة أساسية.