13 سبتمبر 2025
تسجيلبعد أربع سنوات تقريبا من انهيار بنك "ليمان برذرز" والذي شكل بداية الأزمة المالية العالمية وتكبد مؤسسات وبلدان العالم، بما فيها الصناديق السيادية لخسائر جسيمة، تمكنت معظم هذه الصناديق، وبالأخص الخليجية منها من لملمة خسائرها والانطلاق من جديد للاستفادة من الفرص التي توفرها الأزمة رغم عواقبها المؤلمة، حيث أضحت هذه الصناديق في فترة ما بعد الأزمة أكثر توازنا في توجهاتها الاستثمارية حول العالم. وفي الوقت نفسه شكلت الأزمة تجربة غنية للصناديق السيادية في دول مجلس التعاون الخليجي والتي استعادت جزءا كبيرا من خسائرها الدفترية، في حين تبخرت خسائر أخرى، إما بفعل انهيار بعض المؤسسات المالية الكبيرة في الولايات المتحدة وبلدان الاتحاد الأوروبي، وإما بسبب كثافة الاستثمار في صناديق التحوط عالية المخاطر. وضمن الاستفادة من هذه التجارب، تأتي عملية زيادة التنوع في الاستثمارات الخارجية للصناديق السيادية الخليجية، ليس من خلال التنوع الاستثماري القطاعي فحسب، وإنما من خلال إعادة التوزيع الجغرافي لهذه الاستثمارات. وإذا ما تناولنا التقرير السنوي الأخير لصندوق أبوظبي للاستثمار والذي يعتبر أحد أكبر الصناديق السيادية في العالم وأكثرها شفافية بفضل تقريره السنوي، فإننا سنرى حدوث تنوع مهم خلال السنوات الأربع الماضية من الناحيتين القطاعية والجغرافية، حيث ارتفعت الاستثمارات في اقتصادات البلدان الصاعدة، كالصين والهند، كما ازدادت الاستثمارات في القطاع العقاري لتصل إلى ما نسبته 11%. أما الصندوق السيادي القطري، فقد تحول في غضون السنوات القليلة الماضية إلى أكبر مستثمر عقاري في السوق البريطانية، وبالأخص بعد أن قام بشراء متاجر "هارودز" الشهيرة وسط العاصمة البريطانية لندن. في الوقت الذي ارتفعت فيه موجودات "سامبا" السعودية إلى 2.1 تريليون ريال (560 مليار دولار) تقريبا. وفي دولة الكويت وجه المزيد من الاهتمام للتنوع القطاعي، إذ تم تأسيس شراكة كويتية صينية لإقامة مشاريع بتروكيماوية في الصين بتكلفة 9 مليارات دولار، في حين حقق الصندوق العماني مكاسب مهمة من خلال استثماراته في شرق آسيا. الاستثناء في هذا الجانب يخص "ممتلكات" الصندوق السيادي لمملكة البحرين والذي تتوالى خسائرها السنوية لتبلغ رقما قياسيا في العام الماضي 2011 يصل إلى 717.6 مليون دولار بزيادة قدرها 15.5% عن خسائر عام 2010، وذلك لأسباب هيكلية عديدة ومتراكمة، علما بأن هذا الصندوق يملك إمكانات كبيرة للنمو والتوسع والتنوع الاستثماري، وذلك إذا ما تمت إدارته بصورة مهنية صحيحة. وعادة ما تشير إدارة الصندوق إلى سوء أوضاعها بسبب تحملها لخسائر طيران الخليج المملوكة للمجموعة والتي ارتفعت من مليون دولار يوميا قبل عامين إلى أكثر من مليونين ونصف المليون دولار في الوقت الحاضر، في حين تملك "ممتلكات" أو تساهم في مؤسسات مهمة ومربحة، كشركة ألمنيوم البحرين "ألبا". لذلك، فإن خسائر "ممتلكات" لا يمكن تبريرها بسبب تغطيتها لتكاليف تشغيل شركة طيران الخليج وحدها والتي تعتبر خسائرها غير مبررة في ظل أرباح شركات الطيران الخليجية الأخرى، وبالأخص في دولة الإمارات وقطر، إذ إن مشكلة "ممتلكات" تتعدى خسائر طيران الخليج لتصل إلى مشاكل هيكلية وإدارية ومهنية تعاني منها هذه المجموعة. ومن الناحية الإدارية، فإن "ممتلكات" لم تشهد استقرارا إداريا طوال السنوات الماضية، وتعاني من نواقص مهنية خطيرة في إدارة أصولها، كما أن تبعيتها لوزارة المالية يقلل كثيرا من مرونتها ومن استقلال قراراتها الإدارية والاستثمارية والتي تعتبر ضرورية لحل المشاكل الهيكلية التي تواجهها. أما إذا ما كانت طيران الخليج هي الشماعة التي تعلق عليها كافة مشاكل "ممتلكات" فإنه ليس من الصعب إعادة هيكلة طيران الخليج ذاتها والتي تتكبد خسائر سنوية تقدر بأكثر من 900 مليون دولار، وهو مبلغ كبير يعبر بدوره عن مشكلة إدارية وهيكلية تعاني منها هذه الشركة العريقة. لقد اكتسبت الصناديق السيادية الخليجية خبرات كثيرة خلال العقود الماضية، وبالأخص بعد الأزمة المالية العالمية الأخيرة، في حين عانى بعضها من أحداث خطيرة تتجاوز ما تعاني منه "ممتلكات"، كتلك التي واجهها الصندوق الكويتي أثناء الغزو العراقي للكويت في عام 1990، حيث يمكن لهذه الصناديق تبادل التجارب التي مرت بها للمساهمة في حل أزمة "ممتلكات" وإعادة هيكلتها وعودتها للربحية والاستفادة من الفرص الاستثمارية النادرة المتوفرة في الأسواق العالمية في الوقت الحاضر.