03 أكتوبر 2025
تسجيلتتحرك العلاقات الدولية حسب منطق علم السياسة على وقع منعرجات تاريخية تهندسها القوى العظمى وتغتنمها كمحطات لمزيد إحكام قبضتها على الشعوب المستضعفة واستمرار تسخيرها لخدمة أجندات مرسومة مسبقا تتجاوز إرادات تلك الشعوب المهزومة حضاريا، وتفرض على نخبها المأزومة خريطة طريق لا تحيد عنها. ولو قرأنا ببصيرة سياسية خريطة العالم اليوم أواسط سنة 2021 لفهمنا أسرار القمة التي جمعت الزعيمين بايدن وبوتين في جينيف لمدة أربع ساعات ولأدركنا أن تحولات جذرية تطرأ يوميا على بؤر التوتر والصدامات المسلحة والحروب الباردة على القارات الخمس منها ما يهم العرب خصصت له يوم الجمعة 18 يونيه صحيفة (لوموند) الفرنسية تحليلا ضافيا بعنوان (أزمة أخلاقية تهز إسرائيل) رصدت فيه انفلات الدولة العبرية ومروقها التدريجي عن القانون الدولي، حيث أكدت الصحيفة الباريسية الأشهر أن المجتمع الإسرائيلي الذي تعود على الشعور بالأمان جيلا بعد جيل بسبب انتصار جيشه في الحروب مع الدول العربية أصبح اليوم مجتمعا فاقدا للأمان وكان مدعوا خلال الأيام العشرة من شهر مايو الماضي للاختباء في الملاجئ خوف الموت تحت صواريخ كتائب القسام ومنظمة الجهاد لأن هذا الجيل من الإسرائيليين أدرك أخيرا أن إسرائيل لن تستطيع إلى الأبد قمع شعب فلسطيني كامل وغمط حقوقه بلا عقاب وبلا ردود فعل مشروعة، حيث بدأ الرأي العام العالمي يتفهم قضيته ويحسب لها حسابات تختلف عن بروباغندا إسرائيل الدائمة!. وكل من شهد يوم الرايات الصهيونية من أسبوع وكيف تعاملت الشرطة مع تلك التظاهرة العنصرية وكيف اضطهدت وأوقفت عشرات من شباب فلسطين يدرك أنه لا حل أمام الدولة العبرية سوى حل الدولتين لأنه يستحيل إبادة شعب كامل!. وإذا أردنا إيجاز ملامح التحولات الدولية الأهم فإن منتدى الدوحة الاقتصادي العالمي الذي ينعقد اليوم الإثنين لمناقشة أبرز المحاور المشتركة بين كل الدول هو الذي يلخص لنا بأمانة التغييرات الطارئة على العالم والتي تناقش حولها زعيما أعظم قوتين تقليديتين أمريكا وروسيا في جينيف والتي تجتهد دولة قطر في إشراك أكبر عدد من النخب الدولية لمعالجتها في هذا المنتدى. ولعله أصبح من البديهيات القول بأن المنتدى يؤكد المكانة المتقدمة التي تحظى بها دولة قطر على مسرح الأحداث الدولية بفضل دبلوماسيتها النشيطة والمتمسكة بالقانون الدولي وبأولوية الأمن والسلام الدوليين لديها ويبرز موقع دولة قطر الاستراتيجي وقدرتها على الربط بين آسيا وأفريقيا والذي بدوره سيمثل أيضا محورا لمناقشات ديناميكية بين المشاركين حول أهمية توطيد وتعميق سبل التعاون والتواصل كوسيلة لتعزيز الفرص الاقتصادية ويتضمن جدول أعمال المنتدى الذي يقام على مدار ثلاثة أيام ستة محاور رئيسية هي: محور /التكنولوجيا المتقدمة/ الذي سيسلط الضوء على التغييرات الدائمة في العلاقة بين الإنسان والتكنولوجيا ومحور /عالم مستدام/ الذي سيستكشف تقاطع الرأسمالية مع المناخ والحفاظ على البيئة و/الأسواق والاستثمار/ ويناقش قدرة المستثمرين في سعيهم الحثيث إلى فرص النمو وتشكيل اقتصاد عالمي أكثر مرونة، ومحور /تدفقات الطاقة والتجارة/ الذي يجمع بين وسطاء الطاقة العالميين لمشاركة رؤيتهم المستقبلية و/المستهلك المتغير/ الذي يتناول مستقبل التجارة و/عالم أكثر شمولا/ لتقديم أفكار حول تعافي المجتمعات ما بعد جائحة كورونا. هذه المحاور الخطيرة التي اختارت القيادة القطرية أن تطرحها على نقاش أبرز رؤساء الحكومات وأكبر المفكرين من القارات الخمس (ألف مشارك في المنتدى) في ظرف تدرك الدوحة أنه حساس ودقيق وأنه يتطلب أوسع تداول حول قضاياه في دوحة عرفت بكونها دوحة تحالف الحضارات وتبادل الأفكار. العالم سريع التحولات، فهو يوميا في تماس مع حرب ثنائية (أوكرانيا وجارتها روسيا مع تحرك أمريكي وبريطاني قصد التهديد ثم بين أذربيجان وأرمينيا وكل منهما تعززه قوة كبرى) أو ثلاثية (إثيوبيا ومصر والسودان) أو إقليمية (إسرائيل وإيران وكل الشرق الأوسط بسبب تواجد الشيعة في لبنان وسوريا واليمن والعراق) أو حرب كونية (لو انتقل الخلاف التجاري والتكنولوجي والفضائي بين واشنطن وموسكو وبيجين الى حرب تبدأ محدودة وتنتهي نووية! لا قدر الله) إن دولة قطر بتوجيه من صاحب السمو أميرها، حفظه الله، تسعى الى نزع الفتيل بين هذه القوى المتصارعة بفضل هذا المنتدى وبآليات تعرف الدوحة استخدامها من أجل إنسانية أعدل وأسلم. [email protected]