12 سبتمبر 2025
تسجيلgoogletag.display('div-gpt-ad-794208208682177705-3'); googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1462884583408-0'); }); عن أبي مسعود البدري رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى: إذا لم تستحِ، فاصنع ما شئت» رواه البخاري. قوله صلى الله عليه وسلم: «إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى»، يشير إلى أن هذا مأثور عن الأنبياء المتقدمين، وأن الناس تداولوه بينهم، وتوارثوه عنهم قرنا بعد قرن، وهذا يدل على أن النبوات المتقدمة جاءت بهذا الكلام.وقوله "«إذا لم تستحِ فاصنع ما شئت»" في معناه قولان:الأول: أنه ليس بمعنى الأمر أن يصنع ما شاء، ولكنه على معنى الذم والنهي عنه، وأهل هذه المقالة لهم طريقان:أحدهما: أنه أمر بمعنى التهديد والوعيد، والمعنى: إذا لم يكن حياء، فاعمل ما شئت، فالله يجازيك عليه، كقوله: {فاعبدوا ما شئتم من دونه}، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: "«من باع الخمر، فليشقص الخنازير»" يعني ليقطعها إما لبيعها أو لأكلها، وأمثلته متعددة. والطريق الثاني: أنه أمر، ومعناه الخبر، والمعنى: أن من لم يستحِ، صنع ما شاء، فإن المانع من فعل القبائح هو الحياء، فمن لم يكن له حياء، انهمك في كل فحشاء ومنكر، على حد قوله صلى الله عليه وسلم: «من كذب علي فليتبوأ مقعده من النار»، أي أن من كذب عليه تبوأ مقعده من النار. والقول الثاني: في معنى قوله: "«إذا لم تستح، فاصنع ما شئت»" أنه أمر بفعل ما يشاء على ظاهر لفظه، وأن المعنى: إذا كان الذي تريد فعله مما لا يستحي من فعله لا من الله ولا من الناس، لكونه من أفعال الطاعات، أو من جميل الأخلاق والآداب المستحسنة، فاصنع منه حينئذ ما شئت، وهذا قول جماعة من الأئمة، منهم إسحاق المروزي الشافعي، وحكي مثله عن الإمام أحمد.وقد جعل النبي صلى الله عليه وسلم الحياء من الإيمان كما في "الصحيحين" عن ابن عمر أن «النبي صلى الله عليه وسلم مر على رجل وهو يعاتب أخاه في الحياء يقول: إنك لتستحيي، كأنه يقول: قد أضر بك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: دعه فإن الحياء من الإيمان».وفي "الصحيحين" عن أبي هريرة قال: "«الحياء شعبة من الإيمان»".وفي "الصحيحين" عن عمران بن حصين: «الحياء لا يأتي إلا بخير». وفي رواية لمسلم قال: "«الحياء خير كله»".واعلم أن الحياء نوعان:أحدهما: ما كان خلقا وجبلة غير مكتسب، وهو من أجل الأخلاق التي يمنحها الله العبد ويجبله عليها، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: "«الحياء لا يأتي إلا بخير»"، فإنه يكف عن ارتكاب القبائح ودناءة الأخلاق، ويحث على استعمال مكارم الأخلاق ومعاليها، فهو من خصال الإيمان بهذا الاعتبار.النوع الثاني: ما كان مكتسبا من معرفة الله، ومعرفة عظمته وقربه من عباده، واطلاعه عليهم، وعلمه بخائنة الأعين وما تخفي الصدور، فهذا من أعلى خصال الإيمان، بل هو من أعلى درجات الإحسان.وفي حديث ابن مسعود موقوفا: "«الاستحياء من الله أن تحفظ الرأس وما وعى، والبطن وما حوى، وأن تذكر الموت والبلى؛ ومن أراد الآخرة ترك زينة الدنيا، فمن فعل ذلك، فقد استحيا من الله»".وقد يتولد الحياء من الله من مطالعة نعمه ورؤية التقصير في شكرها، فإذا سلب العبد الحياء المكتسب والغريزي، لم يبق له ما يمنعه من ارتكاب القبيح، والأخلاق الدنيئة، فصار كأنه لا إيمان له.يقول ابن رجب: واعلم أن الحياء الممدوح في كلام النبي صلى الله عليه وسلم إنما يريد به الخلق الذي يحث على فعل الجميل، وترك القبيح، فأما الضعف والعجز الذي يوجب التقصير في شيء من حقوق الله أو حقوق عباده، فليس هو من الحياء، إنما هو ضعف وخور، وعجز ومهانة، والله أعلم.